عبد الجليل الشرنوبى
العَشْرُ الشِدَادْ لشَرْعَنَة الاسْتِبْدَاد
خيط دقيق وثيق يربط بين نماذج الحكم التى صدرتها تنظيمات الدين السياسى -الإخوان- فى دول مختلفة بدأت فى أرض الجهاد المزعوم (أفغانستان)، مروراً بالسودان فغزة وانتهاء بتركيا. وبينهم تجارب أتت أكلها سريعاً كونها أدت إلى تفتيت دول كانت ثم غدت أطلال أوطان، وشعوب مقتولة أومصابة أو جائعة أو مهجرة .
هذا الواقع يؤكد أن ماكينة دولية عظمى ترعى تمدد هذا الخيط، وتعتبر كل الأوطان التى يشملها تمدده حقول تجارب لتطور استخدام تنظيمات الدين السياسي، بحيث تصبح الأوطان ساحات اقتتال فى البيئات السانحة (أفغانستان - الصومال - العراق - اليمن - سوريا - ليبيا)، وإن كان هذا النموذج لا يخلو تطبيقه من تناثر شظايا الاقتتال إلى مصالح أممية كبري، وهو ما يمثل سلبية وجب على المطور العالمى أن يضعها فى حسبانه. وحتى يمكن فهم السر فى حالة الهستيرية الأردوغانية تجاه الدولة المصرية، ينبغى أن نتوقف عند حلم الخلافة الذى راح السلطان أردوغان يمنى به ذاته بعدما ضمن أن الأخ مرسى قد بات على عرش مصر، وأن الأخ اليسارى (المرزوقي) غير ممانع فيما يطلب منه مادام بقى رئيساً.
وحين قامت ثورة 30 يونيو 2013 خسرت النماذج المفروضة مصر وتبعتها تونس، ومن ثم استيقظ السلطان أردوغان من حلم خلافته على شعب هتافه الهادر (يسقط حكم المرشد)، وسمعها (يسقط حلم أردوغان)، وكان عليه أن يكمل مسيرته نحو ضمان استمرار ملكه بلا منازع أوشريك. وكان على النموذج الأردوغانى أن يستمر، ليضع أنظمة حكم أوطان الربيع العربى فى مأزق حقيقى من حيث القبول من النظام العالمى أحادى القطب، كونه يمثل النموذج الأكثر تجلياً لنظم الحكم المنشودة أمريكياً فى مرحلة إعادة رسم خريطة المنطقة -الشرق الأوسط وامتداداته-، والمعروفة رسمياً فى أدبيات السياسة الخارجية الأمريكية بـ (الشرق الأوسط الجديد)، هكذا بشرتنا السيدة كوندليزا رايس قبل عشر سنوات من عاصمة الكيان الصهيوني. حيث كانت تقصد بعد رصد معلوماتى استخباراتى أن مرحلة جديدة قادمة سيتم فيها التمكين لتنظيمات الدين السياسي، ولهذا حرص النموذج الأردوغانى على أن يضع أنظمة الحكم العربية الحالية بموضع التشكيك فى شرعيتها باعتبارها نتاج انتخابات معيبة مهما تكن شفافيتها، وحريات منقوصة مهما بلغت فداحة سوء استخدام شعاراتها، واتهامات بالفساد متلاحقة مهما تعددت وسائل الرقابة وآليات التقويم. فأردوغان بطموح الخارج من قمقم التنظيم، ورغبة الجائع لمائدة تمكين طال انتظاره، ودهاء القادر على المهادنة حتى يملك أدوات المواجهة، بدأ من القاعدة الجماهيرية العريضة فى البلديات متخذا منها منصة القفز نحو مقعد الرئاسة. وبمتابعة لآليات بقاء التنظيم فى الحكم بعد تجربة إسقاطه فى مصر ثورة وفى تونس عبر الصناديق، كان ضمان البقاء هو الاستناد إلى القوة أو (الحسم)، تماماً كما فعل إخوان حماس فى غزة، وكما سيطر إخوان ليبيا، ومثلما يفعل إخوان سوريا واليمن والصومال. لأن القوة حين تتحرك عبر التنظيم فى ظل غياب الجيش الوطنى النظامى تصبح هى الحاكم أو على الأقل جزءا من نزاع حكم يضمن البقاء وربما التمدد مستقبلاً حتى ولو على أطلال وطن.
بينما تظل الديمقراطية والحريات والمشاركة والتعددية مجرد أدوات مرحلية نحو التمكين وتنتهى فعاليتها بمجرد بلوغه، ولا يعدم حينها أصحاب (المشروع الإسلامي) المبرر فى تحريمها وتجريمها وتأثيمها واتهام كل داعٍ إليها بالضلوع فى انقلاب أو التخطيط لقلب نظام حكم وعداء دين الله ورفض تحكيم شرعه بغض النظر عن تبعية القوانين التى تحكم للشرعية الإسلامية! إن ما حدث فى تركيا أخيرا لا ينبغى قراءته فى سياق محاولة انقلاب فشلت، قدر ما ينبغى استخلاص وصايا أردوغان الشِداد فى شرعنة الإستبداد بحكم البلاد والعباد، وهى الوصايا التى يمكن اسقاطها على واقع حكم التنظيم فى أقطار عدة لنكتشف أنها كانت المستهدف وهذه الوصايا هى :
ابدأ من قاعدة المجتمع.
استغل سلبيات المنافسين لتأكيد أنك صاحب الإيجابيات. هاجم علنا أكبر تنظيم دينى - الإخوان- وبايعه سراً ثم أنشئ الكيان السياسى الذى يعبر عن مشروعك الانفتاحى الوطنى.
أعلن أنك تتعاون مع كل المعارضين فيما اتفقتم عليه ويعذر بعضكم بعضاً فيما اختلفتم فيه.
التقى أكبر كم من وفود (منظمات المجتمع المدنى الغربية) لتؤكد لهم قبولك للآخر وتفتح قنوات اتصال مع الغرب آمنة وغير مرصودة.
أعلن أنك ستحافظ على ثبات شكل الدولة العلمانى ولن تمس مكتسبات كبار قادة الجيش. وامتدح النظام البرلمانى حتى يوصلك للسلطة ثم اكشف عواره مقارنة بالرئاسي. تحالف مع الصهاينة ورحب بقواعد عسكرية أمريكية على أرضك وهاجم مصر.
غض الطرف عن أى تحركات لقلب نظام الحكم حتى تبدأ استخدم المساجد لشحن البسطاء ضد ما تسميه انقلاباً. اعتقل كل معارضيك بتهم التخطيط والمشاركة فى الانقلاب وخاصة أصحاب القاعدة الشعبية المهددة ومن كنت تلتمس لهم العذر. وأعلن حالة الطوارئ وحول الحكم لرئاسى.
إنها وصايا اللعبة التنظيمية، تختلف آليات تنفيذها، ولكنها دوما لا تخلف إلا أطلال دول مالم تتنبه الشعوب. فهل من متنبه؟