الأهرام
مراد وهبة
رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (136) مطلوب منفستو ثالث
لدينا حتى الآن نوعان من المنفستو:

المنفستو الأول صدر فى عام 1848 عن ماركس وانجلز تحت عنوان “ منفستو الحزب الشيوعى”، والغاية منه دعوة عمال العالم إلى الاتحاد من أجل إحداث ثورة شيوعية لتأسيس عالم جديد. وقال عنه لينين زعيم هذه الثورة إنه كتب بوضوح وبعبقرية متألقة وبتحديد موجز لرؤية عالم جديد من صنع البروليتاريا خالقة المجتمع الشيوعى الجديد. ومع ذلك فقد انهار الاتحاد السوفيتى المؤسس لهذا المجتمع فى عام 1991 . والمنفستو الثانى صادر فى عام 1955 تحت عنوان “ منفستو رسِل- أينشتين”: رسِل فيلسوف وعالم رياضى وأينشتين صاحب نظرية النسبية. وفى 9 يوليو من عام 2005 احتفل العالم بمرور خمسين عاماً على مولد ذلك المنفستو لأنه كان تمهيداً للدعوة إلى حملة ضد التسليح النووى وإلى تأسيس “حركة بجواش” من أجل السلام. والسؤال بعد ذلك:

هل مصير هذا المنفستو مثل مصير منفستو ماركس وانجلز؟

إثر تدمير مدينتى هيروشيما ونجازاكى بقنابل ذرية فى أغسطس 1945 وجه رسِل وأينشتين تحذيراً إلى العالم من الخطر العظيم للأسلحة الجديدة. ومع ذلك حدثت مواجهة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية فى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين وكانت أشد خطراً لأن كلا منهما كان مسلحاً بقنبلة هيدروجينية أقوى ألف مرة من القنبلة الذرية. وعندئذ أرسل رسِل رسالة إلى أينشتين يطالب فيها العلماء بتحذير الحكومات والجماهير بالكوارث القادمة، وقد أوجزها فى احتمال موت الحياة على كوكب الأرض. وفى حينها أرسل أينشتين خطاباً إلى رسِل قبل وفاته فى 13 ابريل 1955 جاء فيه الموافقة على كل كلمة وردت فى خطاب رسِل. وإثر هذه الموافقة أعلن رسِل فى 9 يوليو 1955 أمام حشد من وسائل الاعلام منفستو رسِل- أينشتين الذى اعتمده فى البداية أحد عشر عالماً تسعة منهم كانوا حائزين على جائزة نوبل. وإثر هذا الاعلان تأسست حركة بجواش فى يوليو 1957 حيث انعقد المؤتمر الأول لهذه الحركة.

وكان السؤال الذى أثير إثر إذاعة المنفستو هو على النحو الآتى: لماذا العلماء من دون بنى البشر هم الذين اعتمدوا المنفستو؟ لأنهم هم الذين ابتدعوا أسلحة الدمار الشامل، وبالتالى كانوا على وعى بالموقف المأساوى الذى تواجهه البشرية. ومع ذلك فإنهم قد تجاوزوا مسئوليتهم المباشرة عن انتاج هذه الأسلحة إلى القول بأنهم قد اعتمدوا المنفستو من حيث إنهم بشر ينتمون إلى الجنس البشرى الذى هو مُهدَد بالفناء بسبب الصراع الحاد بين الشيوعيين والرأسماليين مع أنهم جميعاً متساوون أمام خطر واحد.

والحل ماذا يكون؟ جواب العلماء أنه يكمن فى أن نتعلم كيف نفكر بأسلوب جديد، كما نتعلم أن نصيغ سؤالاً ليس عما يمكن اتخاذه من خطوات لإحراز نصر عسكرى لأنه لم يعد هناك نصر من هذا القبيل، إنما نصيغ سؤالاً آخر: ما الخطوات التى ينبغى اتخاذها لمنع أى صراع عسكرى تكون نتيجته مأساوية لبنى البشر أجمعين؟ إن الرأى العام ومعه الحكام ليسوا على وعى بما تكون عليه الحرب عندما تكون محكومة بقنابل هيدروجينية، ومن هنا جاء السؤال المحورى للمنفستو: هل نضع نهاية للجنس البشرى وإذا كان الجواب بالسلب فهل فى الامكان وضع نهاية لحرب محكومة بقنابل هيدروجينية تُفنى الجنس البشرى؟ صعوبة الجواب عن هذا السؤال تكمن فى غموض مصطلح “ الجنس البشرى”. وسبب هذا الغموض مردود إلى تواصل الصراع بين البشر أجمعين إلى الحد الذى لا يكون فيه جنس بشرى واحد إنما تكون فيه أجناس بشرية متعددة ومتصارعة . ولا أدل على ذلك من أن الاحتفال بمنفستو رسِل- أينشتين فى 9 يوليو 2005 كان مواكباً لبزوغ نوع جديد من الحرب لم تألفه البشرية من قبل وهو ما أسميه بــــ” الارهاب الأصولى” وفى مقدمته “ الارهاب الأصولى الاسلامى”. ومغزاه أن البشرية مهددة ليس بقنابل هيدروجينية إنما بقنابل بشرية انتحارية يصنعها بشر عاديون دون أن يكونوا علماء ويقتلوا بشراً عاديين دون أن يكون هؤلاء البشر عسكريين، ويزعمون أن كل ذلك فى سبيل الدفاع عن مطلق هو يجهلهم. وقد لفَتُ الانتباه إلى هذه الظاهرة فى عام 1986 فى سانت لويس بأمريكا حيث كنت مشاركاً فى تنظيم مؤتمر دولى حوارى بين فلاسفة المعسكر الاشتراكى وفلاسفة أمريكيين. وكان رأيى الذى أعلنته أمام الفلاسفة المشاركين أن الصراع بين الشيوعية والرأسمالية هو صراع ثانوى أما الصراع الرئيسى فهو بين الأصولية الاسلامية من جهة والشيوعية والرأسمالية من جهة أخرى، وعندما ينهار المعسكر الشيوعى يأتى الدور على المعسكر الرأسمالى بدعوى أن الرأسمالية مدمرة للانسان. وقد قيل فى حينها اعتراضاً على هذه الاستراتيجية بأننى متشائم. لكن ما حدث بعد ذلك كان دليلاً على صحة رأيى ويمكن ايجازه فى انهيار المعسكر الشيوعى فى عام 1991 وبداية انهيار المعسكر الرأسمالى فى أحداث 11/9/2001 بنيويورك.

وإذا أريد التحرر من الأصوليات الارهابية بوجه عام ومن الأصولية الاسلامية بوجه خاص فالبشرية فى حاجة إلى “ منفستو ثالث” يدعو إلى تأسيس “ علمانية كوكبية” باعتبارها المضاد الحيوى لجرثومة الأصولية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف