عبد القادر شهيب
شيء من الأمل .. حكومتنا تحتاج وقفة مع النفس
أكبر مشكلة تواجه حكومة شريف إسماعيل هي نقص التواصل بينها وبين الرأي العام المصري، رغم كثرة تصريحات بعض وزرائها وأعضائها.. إنها مشكلة أكبر من مشكلة التضخم، ومن مشكلة انفلات الدولار في السوق السوداء، وحوادث الفتنة الطائفية التي كان لها تداعياتها السلبية علي الوحدة الوطنية.
فالرأي العام بالنسبة للمسئول مثل الحبيب الذي يحتاج للتواصل الدائم والمستمر معه والأهم التواصل الناجح.. وإلا تباعد الرأي العام عنه وأعطاه ظهره، بل ربما تحول الرأي العام إلي رافض لهذا المسئول أو غير قابل لقراراته وتصرفاته ومواقفه،.. وهنا يصبح الرأي العام جاهزا لتصديق الشائعات والأكاذيب من قبل الذين يستهدفون تضليله وخداعه ، وبالتالي توجيهه في إطار يخدم الذين يخططون للنيل من هذا الوطن ويبغون تقويض كيان دولته الوطنية.
لقد تعرضت حكومة شريف إسماعيل خلال الشهور والأسابيع الماضية لعدة اختبارات متتالية في مجال التعامل مع الرأي العام.. لكن أي مراقب موضوعي سوف يكتشف أن الحكومة لم تحرز النجاح المطلوب أو القدر المناسب منه في هذه الاختبارات.. بل لعلها خرجت منها بعد ان خسرت تأييد ودعم ومساندة قطاع من الرأي العام المصري، مثلما حدث في قضية تسريب امتحانات الثانوية العامة، وبعدها قضية الفساد في توريد القمح، ثم حوادث الفتنة الطائفية المتتالية التي شهدتها تحديدا محافظة المنيا، والتي تستأثر بنحو ٦٠ في المائة من كل حوادث الفتنة الطائفية والصدامات الدينية في مصر كلها، ثم أخيرا مشكلة الجنون الذي أصاب الدولار في السوق السوداء والذي اقترن بالطبع بموجات تضخمية علي مدي عدة شهور مضت.
فقد انتهجت الحكومة مسلكين مختلفين ولكنهما لم يحققا المرجو في تهدئة وطمأنة وإقناع الرأي العام بأن الحكومة تسير في الطريق الصحيح وأنها تسيطر علي الأمور وأنها قادرة علي تجاوز ما نواجهه من مشاكل وأنها سوف تأخذ بأيدينا إلي بر الأمان الاقتصادي والاجتماعي.. وأي استطلاع رأي علمي وموضوعي سوف يكشف ذلك بجلاء ووضوح.. أو سوف يكشف ان رضاء الرأي العام ينحسر أو يتقلص وأن اطمئنانه يهتز وأن ثقته في تجاوز ما تتعرض له من أزمات وتعانيه من مشاكل تتراجع.
المسلك الأول الذي انتهجته الحكومة كان السكوت والتزام الصمت حتي تفجرت المشاكل وصار الوزير المسئول غير قادر علي اقناع الرأي العام بما يقوله أو يفعله مثلما حدث في أزمة تسريب امتحانات الثانوية العامة والتي دفعت مجموعات من الطلاب بل و أولياء الامور للتجمع والتظاهر امام وزارة التعليم، وأيضا مثل ما حدث ومازال يحدث في مشكلة الفساد في توريد القمح الذي اكتشفته وزارة التموين ثم تبنت بحثه وتقصي حقيقته لجنة برلمانية ويتولي النائب العام التحقيق في وقائعه، وكذلك مثلما يحدث الآن في أزمة الدولار.
فكل ما فعله رئيس الحكومة في أزمة تسريب الامتحانات هو زيارة وزير التعليم في مكتبه وليس مخاطبة الرأي العام وطمأنته وتهدئته بعد ان انتابه غضب لتكرار هذا التسريب، امتحان وراء آخر، وهو ما قام به في النهاية رئيس الجمهورية واعدا أولياء الامور والطلاب بنظام جديد في امتحانات الثانوية العامة.. بينما لم يفعل رئيس الحكو مة أو مجلس الوزراء شيئا في موضوع فساد توريد القمح، رغم انه كان من المفترض أن يتصدي قبل البرلمان لمهمة تقصي حقيقة الامر، خاصة بعد أن لم يعد وزير التموين قادرا مثلما حدث في وقت مضي علي اقناع الرأي العام بما يقوله في أحاديثه وتصريحاته.. أما بالنسبة لازمة الدولار فاإن الحكومة تركت محافظ البنك المركزي يحارب بمفرده هذه المعركة، ربما بدعوي عدم التدخل في عمل وصلاحيات بنك البنوك ، وهو الامر الذي اشتكي منه محافظ البنك المركزي السابق، رغم ان هذا البنك يدير ما هو متاح في السوق الرسمية من دولارات وليس مسئولا عن جلب المزيد من الدولارات لمصر.. فهذه هي مهمة الحكومة الاساسية من خلال المصادر المعروفة.. الاستثمار الاجنبي، وعائد الصادرات ، والسياحة الاجنبية.. والمثير للدهشة ان الحكومة ورئيسها التزما الصمت تجاه هذه المشكلة «جنون الدولار» رغم أنها تكاد تكون هي الحديث المشترك الآن لأي مصريين يجتمعان، ورغم ايضا ان هناك ما يقال للرأي العام في ذلك الامر وهو ما يتعلق بالعمل الممنهج الذي يتم الآن من قبل البعض لحجب النقد الاجنبي عن مصر، خاصة اموال المصريين العاملين في الخارج، وايضا الاستثمارات الاجنبية وكذلك السياحة الاجنبية.
أما المسلك الثاني للحكومة فقد كان كثرة الحديث غير المقنع مع الرأي العام ولعل النموذج الصارخ هنا هو حديث وزير المالية حول الاثار المتوقعة علي الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة بعد اقرار قانون الضريبة المضافة من قبل البرلمان وبدء تطبيق هذا القانون.. والسبب في عدم اقتناع الرأي العام بهذا الكلام انه سبق ان استمع كلاما مشابها ومكررا حول السيطرة علي التضخم وارتفاع الاسعار، وعدم سماح الحكومة بارتفاع اسعار السلع الاساسية، ومع ذلك ارتفعت اسعار كل السلع الاساسية.. لحوم ودواجن وبيض وجبن وزيت وأرز و أيضا خضر وفاكهة، وارتفعت ايضا السلع غير الغذائية ، وجاء الارتفاع بمعدلات أكبر خلال الشهور الثلاثة الماضية «مايو ويونيو ويوليو» .. لذلك حتي لو أقسم وزير المالية بأغلظ الايمان أن الفقراء لن يتحملوا سوي زيادة طفيفة في الاسعار بعد تطبيق قانون الضريبة المضافة لن يصدقه أحد.
وهكذا.. الحكومة صار لديها مشكلة حقيقية مع الرأي العام.. التواصل بينها وبين الرأي العام مضطرب ، وان حدث لا يحقق لها كسب الرأي العام بل علي العكس يجعلها تخسر قطاعات منه.. وهذا مناخ غير مواتي لعمل أي حكومة.. والأهم والأخطر انه يمنح كل من يبغي تضليل هذا الرأي العام فرصة مواتية لتنفيذ مخططاته.. لذلك حان الوقت أن تقوم الحكومة اليوم وليس الغد بوقفة مع النفس.