محمد جبريل
ع البحري .. موريتانيا .. والقمة العربية
في منتصف 1975 كنت واحداً من وفد إعلامي عربي من مصر والعراق والجزائر. لتأسيس أو تطوير الأنشطة الإعلامية الموريتانية. ومنها إصدار "الشعب" أولي الصحف في تاريخ موريتانيا. وتدريب الكوادر الصحفية والإذاعية والتليفزيونية.
أدركنا في الأيام الأولي سر التخلف الذي كانت تعانيه الدولة الهائلة المساحة. بكل ما تحويه من ثروات تعدينية وسمكية وتراث حضاري ومعرفي لافت. فقد جعل منها الاستعمار الفرنسي معبراً بين شرق أفريقيا وغربها. جسراً بين الجزائر والمغرب وتونس من ناحية. وبين مالي والنيجر والسنغال. وغيرها من دول القارة.
لم يكن في العاصمة نواكشوط سوي فندقين: "مرحبا" الذي يقتصر علي الزوار الأجانب. و"البرلمان" ذي السمة الشعبية. فأبوابه مفتوحة لأعضاء مجلس النواب من الأقاليم. ولأننا كنا في مرحلة الشباب. فقد رضينا بالإقامة في فندق البرلمان المتواضع. بينما نزل الإذاعي الكبير محمد فتحي في فندق مرحبا.
أذكر أن أول ما انعكس علي أسلوب حياتنا في العاصمة أو في رحلاتنا إلي المدن الموريتانية الأخري. مثل نواذيبو وأكجوجيت. تقابل حر النهار وبرد الليل.
الحرارة الشديدة. تقابلها برودة. قد لا تكون شديدة.. النهار هو ساحة الحرارة. تقذف بسخونة لاهبة. أما الليل فإن الهواء القادم من الأطلسي يحمل برودة قد تكون منعشة. وقد تحتاج لأن تضيف إلي ما ترتديه من ثياب.
علي جانبي الطرق "كل الطرق" خلاء. أو بنايات من طابق أو طابقين. أو خيام. ليست كالخيام التي تقام في الموالد المصرية. لكنها خيام كبيرة حسنة المظهر والألوان. أبوابها واسعة تفضي إلي قاعة هائلة بمساحة الخيمة. فُرشت بالسجاد. وأثثت بفاخر الأثاث. وتدلت القناديل من أسقفها. تصلح لحياة كاملة. تُغْني أصحابها عن الإقامة في الفيلا الجميلة المقابلة لها. الفيلا لاستقبال الزوار. والخيمة للحياة الشخصية التي كان عليها الآباء من قبل. وربما استبدلت الخيمة بالفيلا لإقامة المآدب والحفلات. تتردد فيها أغنيات مثل: نحن بنات طارق.. نمشي علي النمارق.. إلخ.
بدت البلاد خالية من إمكانات التحديث والتقدم. والتنقل بين مدينة وأخري. يحتاج إلي موافقة أمنية. وحين حاولنا العبور إلي الضفة الأخري من نهر السنغال. أعادتنا الشرطة. وشددت بأن نلزم حجراتنا في فندق البرلمان. أو قاعة فندق مرحبا. لا يأخذنا الفضول فنحاول السير في الأسواق.
مضي زمن علي تلك الأيام. وها هي حكومة موريتانيا تستقبل عدداً كبيراً من الزعماء العرب. والقيادات العربية. بالإضافة إلي الإعلاميين والمحللين الذين يحتاجون بالضرورة إلي نواكشوط أخري.. ذات إمكانات واستعدادات تتيح إقامة مؤتمر القمة العربية. فضلاً عن نجاحه.
موريتانيا الآن جزء أصيل من الجسد العربي.