الجمهورية
على هاشم
متي تكون الحكومة قيمة مضافة..؟!
لا يعترف كثير من الناس بإنجازات أي حكومة إلا إذا وجدوا تحسنًا ملموسًا في مستوي معيشتهم.. الناس لا تعتقد في أرقام الحكومة عن معدلات النمو. ولا عن منجزاتها علي أهميتها البالغة إلا إذا ارتقت بحياتهم اليومية.. ولهذا فلا عجب أن تري هؤلاء وأولئك مصابين بالإحباط لكثرة ما يرونه من فلتان في الأسعار. فاق كل حد. وطال كل سلعة وخدمة يحتاجونها في حياتهم اليومية. ناهيك عما يرونه من تخبط بعض المسئولين في الحكومة. وافتقادهم الرؤية السياسية اللازمة لمعالجة تراكمات السنين من فساد وبيروقراطية وروتين. ومعالجة التدهور الذي أصاب أداء بعض الأجهزة والمرافق.
وفي سياق كهذا يلزم الحكومة أن تدرك أن شرعية الإنجاز لا يدانيها شرعية أخري.. لكن في المقابل علينا الاعتراف أيضًا بأن الرئيس يتحمل وحده تراكمات ثقيلة لأنظمة سابقة. ولا ينام ويجوب العالم شرقًا وغربًا» بحثًا عن فرص أفضل وشراكات اقتصادية تصب في صالح الوطن والشعب.. كما لا يخفي أن بعض أجهزة الدولة خصوصًا الجيش والشرطة- تبذل جهودًا مضنية لاستعادة الاستقرار وتعويض خسائر السنوات الخمس العجاف التي تلت الثورة. وما سبقها من عقود خلفت إرثًا ثقيلاً من التراجع والإخفاق في مجالات كثيرة.
لا يكف الرئيس عن مواصلة الليل بالنهار لمتابعة ما يجري بالداخل والخارج.. لكن ذلك يقابله للأسف تراخي في أداء وزراء شريف إسماعيل. وإجراءات حكومية تخلو من الشعور بالمسئولية السياسية التي تعني ضمنًا مسئولية هذا الوزير أو ذاك عن قصور أداء مرءوسيه أينما كانوا. الأمر الذي يعطي إيحاءً بأن هؤلاء المسئولين لا يدركون خطورة الأوضاع الحالية. ولا خطورة المتربصين بمصر الذين لا يتوانون عن النفخ في كل نار. وتهويل كل شاردة وواردة أو سقطة يقع فيها مسئول هنا أو هناك. ناهيك عما يحدق بالدولة من أخطار إقليمية ودولية ومخططات لا يزال أطرافها يجاهدون لتنفيذها سعيًا وراء تفتيت المنطقة. وتقزيم دولها ونهب خيراتها ومقدراتها» اعتمادًا علي بعض الشاردين من بني جلدتها!
وعند قراءة خريطة المشهد الاقتصادي يتبادر إلي كل الأذهان سؤال : أي نظام اقتصادي تطبقه مصر الآن.. وهنا لا نعثر علي إجابة واضحة قاطعة» فثمة خليط مشوش متنافر من قطبي المذاهب الاقتصادية..فلا نحن التزمنا برأسمالية اجتماعية رشيدة تحمي الفقراء. وتطلق حرية التملك والربح استنادًا لقواعد شفافة منضبطة وعادلة للسوق. ولا نحن أقمنا اشتراكية خالصة تضع مقاليد السوق والاقتصاد في يد الدولة.. والنتيجة عشوائية مفرطة في الأسواق وجشع واحتكار من التجار والمنتجين والمستوردين.. والضحايا في النهاية هم الفقراء والطبقة الوسطي التي انداح أكثرها تحت خط الفقر وتآكلت بصورة تنذر بالخطر» إذ يصارع ما بقي منها موجات الغلاء لكنه إن ظل الحال هكذا سيهوي في النهاية إلي قاع المجتمع بفضل الزيادة الهائلة في الأسعار التي لا تكفيها أي زيادة مقابلة في الأجور. ناهيك عن ضعف القدرة الشرائية للجنيه أمام العملات الأخري. وتسارع وتيرة الغلاء بلا سقف محدد لهامش الربح الذي تُرك لتقدير أصحاب رءوس الأموال بلا رقابة من الدولة. وتراجع في الإنتاج بعد غلق آلاف المصانع منذ الثورة وحتي اليوم. وتراجع التصدير والسياحة وعوائدهما من العملة الصعبة.. كل ذلك يشعر به المواطن. ويراه رأي العين.. بينما تغيب الحكومة. ولا نجد لها أثرًا في ضبط الأسعار حتي أن تدخلها يكاد يقفز في الاتجاه المعاكس حيث تتسبب إجراءاتها العشوائية في مزيد من رفع الأسعار وحرق جيوب الفقراء.. ولا أدري ما حجة الحكومة في فرض مزيد من الضرائب في مثل هذه الظروف السيئة. وآخرها ضريبة القيمة المضافة التي تعرف الحكومة أكثر منا أنها ستلهب الأسعار أكثر فأكثر. وأكثر الضرر واقع بالفقراء الذين باتوا يئنون من شدة الأعباء.. وإذا كانت حجة الحكومة أن ¢ القيمة المضافة ¢ سوف تجلب 30 مليار جنيه للموازنة فيمكن للحكومة بجرة قلم توفير مثل هذا المبلغ بترشيد الإنفاق وغلق حنفية الفساد.
الحكومة يمكنها أن تتدخل ليس بفرض تسعيرة جبرية فات أوانها بل بتحقيق معايير الجودة وعدم المغالاة في أسعار السلع والخدمات. والتوسع في فتح منافذ حكومية تطرح مزيدًا من السلع والمنتجات الأساسية للسواد الأعظم من المواطنين. وتكسر دوائر الاحتكار والتحكم في تلك السلع بتوسيع مظلة الاستيراد الحكومي. والاهتمام بمشروعات الصناعة المحلية لزيادة منتجها في الأسواق بديلاً للمستورد» كإنتاج الأجهزة الكهربائية أو السيارات والمنسوجات والملابس الجاهزة.. وهذا يجرنا لسؤال قديم متجدد : أين مشروع البتلو ¢.. ولماذا لا تعود الحكومة لتجريم ذبح الإناث لحل أزمة غلاء اللحوم..؟!
وإذا كانت الحكومة تتدخل لتحديد زيارة الأجور فإنها مطالبة بخلق بيئة ملائمة لتلك الأجور. لا تلتهما دون تحقيق الإشباع الاقتصادي المطلوب. مع الحفاظ في الوقت نفسه علي المبادئ البديهية للاقتصاد كالعرض والطلب.. مطلوب من الحكومة المسارعة إلي خلق آليات رقابية فعالة ومستديمة للسوق حتي لا تترك المواطن فريسة في براثن الغلاء والاستغلال. وألا تكتفي تلك الآليات بالتحرك كرد فعل للأزمات ثم سرعان ما تختفي الرقابة وتعود العشوائية لسابق عهدها لتصيب الأسواق من جديد بالاضطراب وانفلات الأسعار.. والمواطن بالإحباط.. مطلوب رقابة حكومية تعوض غياب أجهزة وجمعيات حماية المستهلك التي لم نعد نسمع عنها إلا في الفضائيات والإعلام.. رقابة لا تجعل المواطن أضعف حلقات السوق. أو تتركه ملطشة في يد التجار والمحتكرين الذين امتصوا دماء الشعب بلا رحمة.. فما علاقة العنب مثلاً بأزمة الدولار الخانقة. ولماذا ارتفع سعره بشكل مغالي فيه.. لماذا يقتصر ظهور الحكومة في مواسم بعينها كشهر رمضان والأعياد.. فعندما يهل عيد الأضحي ترفع الحكومة حالة الطوارئ لتوفير اللحوم بأسعار مخفضة للفقراء وكأنها تعترف بأنهم لا يتناولونها إلا في الأعياد والمناسبات فقط.. أليس حريًا بها أن تحرص علي توفيرها طيلة العام كغذا. وألا تترك استيراد اللحوم لمافيا الاستيراد التي تتكرر في كل سلعة بوجوه مختلفة فقدت الضمائر والذمم.
أعتقد أن الحكومة تعلم يقينًا أننا نعاني أزمة لحوم منذ أمد بعيد. حتي جاوزت أسعارها كل احتمال لتدور بين 80 و100 و200 جنيه حسب المناطق.. الأمر الذي يعجز أكثر المواطنين عن شرائها بانتظام.. ولا أدري لماذا اختفت حملة ¢ بلاها لحمه ¢ الداعية لمقاطعة الاستغلال هي الأخري.. بدلاً من أن توسع دائرة نشاطها ليشمل منظومة السلع والخدمات كافة طيلة الوقت وليس في الأزمات والمواسم فقط.
المجتمع المدني بكافة أطيافه مدعو لزيادة التوعية ضد مخاطر الاحتكار. ومجابهة الاستغلال بحملات منظمة ضد الاستغلال والغلاء الفاحش. خصوصًا في السلع المستوردة الجامحة بلا ضوابط.
والسؤال أيضًا لوزارتي الصناعة والتجارة والتموين ألا يعلم وزيراهما مسبقًا أن ثمة أزمة متوقعة في اللحوم وغيرها.. فلماذا تلكأ في مواجهتها حتي تتفاقم.. ماذا فعل الأول لتشغيل المصانع المغلقة وخصوصًا العائدة من ¢ سراديب الخصخصة ¢ التي تزداد خسائرها بصورة رهيبة إذا تركت دون تشغيل. ما زاد من تراجع التصدير وانفلات الأسعار.. وأين الأخير مما يحدث من خلل وفساد عظيم في منظومة توريد القمح وغيرها.. وأين وزير الزراعة من نقص المحاصيل الزراعية الرئيسية في بعض الأوقات.. وأين وزير الصحة من فساد منظومة العلاج رغم اعترافه به.. ثم أين وزير التربية والتعليم من تدهور المنظومة التعليمية وغياب أي دور فعال للمدرسة.. وهل سمع ما قاله أوائل الثانوية العامة من حصولهم جميعًا علي ¢ دروس خصوصية ¢ وعدم ذهابهم إلي مدارسهم.. أليس ذلك اعترافًا واضحًا بفشل المؤسسة التعليمية برمتها.؟!
ويبقي أخيرًا أن نؤكد علي أهمية تضامن الجميع حكومة وشعبًا في علاج ما نراه من تدهور.. علي الجميع أن يتحمل نصيبه العادل في العمل والإنتاج وتحقيق الاستقرار ودحر أي مظاهر للفوضي. والدفاع عن الدولة والانضباط ووحدة الصف ضد رياح الفتنة والتقسيم.
آن الأوان لتحصين الوطن ضد انحراف بعض أبنائه الذين باعوا أنفسهم للشيطان لإحداث وقيعة هنا أو هناك.. وعلي الحكومة تطبيق القانون بحسم علي الجميع إذا أردنا سد أبواب الفتن التي لم تعد الجلسات العرفية وحدها كافية لإصلاح تداعياتها المرة.. وعلي البرلمان سرعة إصدار تشريعات تحقق الاستقرار وتحميه. وتكرس لدولة العدالة والقانون والإنتاج والمساواة.. وعلي الحكومة أن تدرك أن الإنجاز وحده كفيل بإسكات أصوات الفتنة والتشكيك والمزايدة.. وعليها أولاً أن توقف زحف الغلاء وتوحش الدولار قبل أن يلتهم الأخضر واليابس.
كنا نأمل أن تكون حكومة شريف إسماعيل قيمة مضافة ليس في فرض ضرائب وأعباء جديدة علي المواطنين ولكن في الخيال والإبداع وحل مشاكل مصر ومواجهة أزماتها بحلول مبتكرة من خارج الصندوق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف