في ذات اليوم الذي أعلنت فيه الحكومة أنها بصدد التفاوض مع صندوق النقد الدولي للاتفاق علي قرض كبير يبلغ نحو 12 مليار دولار علي ثلاث سنوات مقابل تنفيذ برنامج للإصلاح المالي والاقتصادي. أعلن أيضاً جهاز التعبئة والإحصاء أهم مؤشرات البحث الذي يقوم به كل عامين للدخل والانفاق والاستهلاك لعام 2014/2015. والذي يتضمن مفاجأة غير سارة لنا وتتمثل في زيادة أعداد الذين يعيشون منا تحت خط الفقر. وهو الاتجاه الذي بدأ مع سنة 2000 ولم يتوقف حتي الآن.. ولعل هذه المصادفة تنبهنا إلي ضرورة أن نهتم أكثر بخططنا التي تستهدف مساعدة الفقراء في بلادنا خاصة وأننا مقبلون علي تنفيذ برنامج اقتصادي لا ينكر المسئولون عن إدارة اقتصادنا الوطني أنهم سيتحملون نسبة من الأعباء بسببه وان كانوا يهونون من هذا العبء.
لقد كانت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر طبقاً لبحث جهاز التعبئة والاحصاء يبلغ في عام 2012/2013 نحو 3.26%.. لكن هذه النسبة ارتفعت في عام 2014/2015 إلي 8.27% من عدد سكان البلاد.. وبترجمه هذه النسب إلي أرقام فنحن أمام نحو 4.32 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر أي لا يقدرون علي توفير احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وصحة وعلاج وتعليم.. وهذا عدد كبير وسوف يزيد أكثر إذا أضفنا إليهم من يعيشون علي هامش خط الفقر.
ولاشك أن الزيادة الكبيرة في السكان التي كانت تتجاوز في معدلها خلال السنوات الماضية معدل النمو الاقتصادي هي التي صاغت لنا هذا الحال وأسهمت في زيادة عدد الفقراء.. ولكن في المقابل فإن الزيادة في أعداد الفقراء علي هذا النحو معناها أيضاً عدم كفاية كل الجهود التي تبذل من أجل حصار ظاهرة الفقر ومساعدة ودعم الفقراء والأخذ بيدهم مثل معاشات تكافل وتضامن.. ولعلها مصادفة ذات مغزي أنه في ذات اليوم الذي كانت تتحدث فيه وزيرة التضامن عن أن وزارتها في حوزتها قاعدة بيانات عن الفقراء يتجاوز عددهم فيها السبعة ملايين مواطن أن يعلن جهاز التعبئة والاحصاء أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفعت إلي 8.27% من عدد السكان أي أن عددهم يتجاوز بكثير أربعة أمثال العدد الذي رصدته وزارة التضامن للفقراء التي تعتزم تقديم العون لهم.. وهذا معناه أن نحو 4.25% مليون فقير لن يظفروا بمساعدة من وزارة التضامن أو أية وزارة أخري لتستمر معاناتهم في توفير احتياجاتهم الأساسية.
أيضاً أن الزيادة المستمرة في أعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر وكذلك الذين يعيشون علي هامشه تعني أن أعداداً من أبناء الطبقة المتوسطة ينضمون بشكل مستمر إلي الفقراء..وهذا يشير إلي الضغوط الشديدة التي تتعرض لها الطبقة المتوسطة منذ سنة عشر عاماً مضت نتيجة تقلص الدخول الحقيقية لابنائها بسبب الارتفاع في معدل التضخم.. وتلك ليست فقط مشكلة اجتماعية ولكنها مشكلة سياسية أيضاً لأن أبناء هذه الطبقة في أي مجتمع هم الأكثر تحركاً أو الأكثر تعبيراً عن غضبهم بالمقارنة لأبناء الطبقات الفقيرة والطبقات الغنية.
إذن..
نتائج بحث الدخل والانفاق والاستهلاك الذي يجريه جهاز التعبئة والاحصاء يجب ان تنبهنا لأن أمورنا ليست علي ما يرام وأن لدينا مشكلة تحتاج منا لجهود أكبر لعلاجها وإيجاد حلول ناجعة لها. لأن كل ما قمنا به من جهود خاصة في العامين الماضيين لا يكفي.
نعم نحن نحتاج لاجراءات مالية واقتصادية قاسية وصعبة طبقاً لوصف رئيس الحكومة المهندس شريف اسماعيل.. ولكن تلك الملايين من البشر من أبناء هذا البلد الذين لا يقدرون علي توفير وتدبير احتياجاتهم الأساسية ليس لديهم ما يقدمونه أو هم لا يستطيعون تحمل المزيد من الأعباء أي التنازل عن بعض الاحتياجات الأساسية التي ليست كلها متوفرة لهم وإلا انضموا لمن يعيشون تحت خط الفقر المدقع أي الذين لا يقدرون علي توفير غذائهم.
ما تنوي الحكومة اتخاذه من اجراءات صعبة لاصلاح أوضاع اقتصادنا يجب أن تراعي فيه ألا تحمل هؤلاء أي قدر من أعبائه لأنهم ليس لديهم قدرة علي التحمل. سواء جاءت هذه الاجراءات الصعبة في إطار اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو بدونه.. فلتجتهد الحكومة في البحث عن اجراءات يتحمل أعباءها الأغنياء والقادرين فقط. أو ان تعوض غير القادرون بشكل مباشر.
وإذا كانت لا تعرف هؤلاء غير القادرين حصراً فلتستعين بجهاز التعبئة والاحصاء الذين رصدوا أكثر من نصف سكان الصعيد يعيشون تحت خط الفقر. أو معهد التخطيط الذي يحتفظ بدراسات شتي عن الفقر والفقراء في مصر منذ سنوات.
ولذلك ليس مستساغاً ان يخرج السيد وزير المالية ليقول أن قانون القيمة المضافة لن يرفع معدل التضخم بأكثر من نصف في المائة لأن حتي هذا النصف في المائة لا يقدر الذين يعيشون تحت خط الفقر علي تحمله.
ثم ان الحكومة ملتزمة طبقاً للبرنامج الذي تقدمت به الي البرلمان وحازت به علي ثقته علي تحقيق العدالة الاجتماعية.. وليس من العدالة الاجتماعية ان تترك الفقراء يتزايدون علي هذا النحو. وتتزايد بالتالي معاناتهم.
بصراحة بعد إعلان نتائج بحث الدخل والانفاق والاستهلاك الذي أجراه جهاز التعبئة والاحصاء والذي استغرق القيام به نحو ثمانية أشهر صارت الحكومة في حاجة الي مراجعة خططها وبرامجها واجراءاتها التي تنوي اتخاذها لتوفير حماية لهؤلاء الفقراء. وحتي تترجم التزامها بالعدالة الاجتماعية لاجراءات عملية يشعر بها هؤلاء الفقراء.