المصرى اليوم
كريمة كمال
الحاج عيسى
«إحنا جايين علشان نحل المشكلة.. إحنا جايين مادين إيدينا بالسلام اللى حيمد إيده يسلم علينا ويقول أهلا وسهلا بالسلام حنحطه على دماغنا من فوق.. اللى مش هيقول حطلع دين أمه وحقطع له دراعه»
كانت هذه هى كلمات الحاج عيسى فى جلسة الصلح التى جرت فى «الفشن» واحدة من الأماكن الكثيرة التى شهدت أحداثا طائفية متصاعدة فى الأسابيع الأخيرة.. وهذه الكلمات تلخص بشكل واضح كيف تجرى الجلسات العرفية فى مصر منذ سنوات طويلة وهذه الجلسات التى يحضرها الأمن حيث قدم الحاج عيسى فى بداية كلامه التحية للضباط المتواجدين فى الجلسة ليس هدفها تطبيق القانون كما أنه ليس من هدفها عقاب الجانى بل كل هدفها تنازل الضحية وغلق الموضوع.. ولأن هذا هو الأسلوب الذى ساد لدى الدولة والمجتمع منذ سنوات فقد كان من غير المتوقع أن تقبل الدولة أسلوبا غيره أو يقبل المجتمع تغييره.. ببساطة لم يقبل الاثنان معا أن يأتى التغيير من الطرف الأضعف من الأقباط.. لم يقبل الاثنان معا أن يقول الأقباط «لا» لجلسات الصلح العرفى التى كانت تقوم على عدم المساواة وكانت تعتمد على الضغط على الضحية لكى ترضخ.. من هنا لم يكن هناك من تبرير لتصاعد وتيرة العنف الطائفى فى الأسابيع الأخيرة فى أحداث متلاحقة ومتصاعدة من حيث المنهج سوى أن الأقباط يدفعون الثمن لأنهم رفضوا الصلح فى قضية تجريد سيدة المنيا.

هل هذا كلام مبالغ فيه أو يخضع لنظرية المؤامرة؟ أم أن موقف البرلمان المصرى من رفض طرح الأزمة المشتعلة يكشف تواطؤ مؤسسات الدولة فى عدم التصدى للقضية.. الإصرار على عقد جلسات الصلح بالضغط على الضحايا وترهيبهم يكشف عن نفسه فى الأخبار التى توالت فى أزمة أخرى غير أزمة الفشن وهى أزمة «بنى سويف» والتى انتهت بموافقة مدير أمن «بنى سويف» على إجبار خمس أسر مسيحية على ترك منازلها ببنى سويف والرحيل.. وهكذا تنتهى الجلسات العرفية بإبعاد البنزين عن النار بوسيلة واحدة وهى تهجير الضحية لإعلان انتهاء الأزمة.. أو الضغط على الضحية للتنازل لعدم تقديم المعتدين للعدالة والغريب أن هذا الضغط لإفلات الجانى يأتى من سلطات الأمن التى من مهمتها ضبط الجانى وعقابه.. لذلك لا يبدو غريبا أن يتم الإعلان عن إخلاء سبيل ستة عشر متهما فى أحداث فتنة «أبويعقوب» وإعلان مصدر أمنى عن عقد جلسة عرفية قريبا.. جاء إخلاء السبيل هذا بقرار من محكمة استئناف المنيا حيث قالت النيابة إن المجنى عليهم أقروا بالتصالح أمامها.. وقال مصدر أمنى إن «الأوضاع أصبحت هادئة تماما بالقرية وقريبا سيجرى عقد جلسة صلح بين أهالى القرية حتى تعود الحياة إلى طبيعتها».. للعلم صرح الأنبا مكاريوس أسقف المنيا وأبوقرقاص فى حديث له ردا على سؤال حول (هل كان التصالح فى فتنة «أبويعقوب» تحت ضغوط؟) فقال بالنص «الاتفاق الذى تم وأعلنته منذ يومين هو أن يتم تعويض الأقباط المتضررين فى الأحداث ماديا والاعتذار لهم على أن يظل الشق القانونى موجود والمخطئ يجب أن ينال عقابه لكن بعد هذا الاتفاق قام المجنى عليهم من الأقباط بعقد جلسة عرفية مع الطرف الآخر وتم التنازل عن القضية وذلك بعيدا عن الكنيسة لأننا متمسكون برأينا بضرورة تفعيل القانون ورفض فكرة الجلسات العرفية»

مرة أخرى ربما يكون فهم ما يحدث مرتبطا بما حدث فى فتنة تجريد سيدة المنيا حيث وقفت الكنيسة لأول مرة موقفا مختلفا وأصرت على رفض جلسات الصلح العرفية وطالبت بتطبيق القانون.. ولا ينسى الكثيرين منا التهديدات التى طالت الأقباط والتى وجهت للأنبا مكاريوس عبر مداخلات تليفزيونية من مسؤولين فى السلطة سواء من الأمن أو من الحكومة من أنه إذا ما أصر على رفض الصلح فإن الأمور سوف تتفاقم وقد كان توالت الأحداث واحدة تلو الأخرى.. وكان الهدف واضحا أن يخضع الأقباط لجلسات الصلح كما كان الأمر دائما دون أى تغيير.. ببساطة لم تقبل السلطة أو المجتمع أن يقول الأقباط لا للجلسات العرفية. أراد الجميع أن يظل الوضع على ما هو عليه.. لا المجتمع ولا السلطة يقبلون التغيير والأهم أنهم لا يقبلون أن يأتى التغيير من الأقباط، لأن هذا يشكل تغييرا فى موازين القوى التى سادت دوما والتى وضعت الأقباط فى موقع تال فى المواطنة ولم تقر لهم بالمساواة التى تستدعى أن يدفع الجانى ثمن فعلته بالقانون.. لا أحد يقبل التغيير ولا يقره بل ولا يريده فالكل يسعى ليبقى الحال على ما هو عليه لتتكرر الأحداث الطائفية دون أن تمتد يد للجانى بل تدفع الضحية الثمن وتصمت أمام مزيد من التهديدات. إنها دولة «الحاج عيسى».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف