اسراء امام
جحيم فى الهند...الجحيم الذى سيربح رغما عنك
من الغباء أن تتناول الحماقة بجدية، أن تضعها نصب قلمك وتفندها تفصيلًا، وتكون دءوبًا فى مناقشتها. ألا تتعظ من صانعها، هذا الذى ألقى بها فى وجوهنا وإلى داخل كياناتنا بلا أدنى جهد، وبغير أى نزعة مسئولية. الله فى كتابه الكريم يقول « السن بالسن والجروح قصاص» وليس ثمة جُرح أكبر من جريمة استهان فيها تاجر ما بوجدانك، ليُتمم سبوبته المجزية باسم السينما، حينها سيكون أقل واجب أن يَرُد له القلم كيده فى نحره.
هذا الشىء الذى عنونوه ب«جحيم فى الهند»، صدقوا بالفعل فى تسميته، فهو الجحيم بعينه، أيا إن كان الجحيم الذى تتمثله فى مخيلتك، فهو أسوأ منه بدرجات. كيان لا ماهية له ولا صفة، لا يسعنا حتى أن نتهمه بالفوضى، فالفوضى خلاقة فى أحيان كثيرة ليس كمثل هذا الشىء عديم الكل شىء.
الكاميرا تدور فيقف أمامها الممثلون، يرتجلون إفيهات اتنين أصحاب على القهوة، نكات سخيفة لا تليق بأفواه كوميديانات، وإنما تشبه مزحاتنا الشخصية التى نتداولها بين بعضنا البعض من حين لآخر. الفارق، أننا نجد ما يعزينا فى قبول ثقل ظل أحد القريبين منا، لكننا هنا زبائن، دفعنا مسبقا ثمن لعبث ظننا بالخطأ أنه كوميديا. هذه العشوائية المخجلة، التى لا تقارب روح الارتجال حتى يتمادى فيها الجميع، اعتمادًا بأن ما يقدمونه كوميديا فانتازية، لا تقف عند منطق، ولا أساس عقلى. لا غبار على هذا المبدأ، ولكن حينما يزعم أحدهم فى العمل طبقه، لابد أن ينوى أولا إنتاج فيلم، وليس ماخورا لتنجيم بطل اسمه «محمد إمام»، ومن حوله أنصاف نجوم لم تنقذهم خفة دمهم من هذا الفخ الذى يمتص طاقاتهم هباءً، ويعرى ما فيهم من موهبة، ليتركهم لأحكام ستقصف عمرهم الفنى آجلًا أم عاجلًا.
أين هذا الفيلم؟! هل ثمة سيناريو تمت كتابته لهذه المهزلة؟! كيف يتم الاتفاق على إنتاجها، هل اجتمع المنتج والمخرج والبطل، وبوسع واحد منهم أن يصارح نفسه بسبب وحيد يجعله فردًا من الأفراد التى ساهمت فى وجودها. طرق النجومية متعددة، لماذا الإصرار على الفشل بهذا الاجتهاد، وكأنهم تفانوا فى التخطيط بالفعل، ولكن التخطيط لصناعة مبتذلة، رخيصة، تجيد الاستغلال. استغلت اسم الهند، وتواجد حاشية من الشباب الذى توسم فيه الجمهور شيئًا من النجاح والقبول.
المخرج «معتز التونى» كوميديان واعد أكثر منه مخرج، ولا أعى ما الذى يدفعه إلى اقتراف مثل هذه الأخطاء التى لن تُغفَر فى الوقت الذى يبنى فيه علاقة بينه وبين الجمهور المهتم بشأنه. ولابد أن أتوجه بسؤال مهم لكل من «مصطفى صقر» و«محمد عز الدين» المؤلفين، أين تلك المادة التى تم تأليفها. فالفيلم عبارة عن عدة مشاهد تمهيدية وخاتمة. ضابط يقوده حظه السيئ للسفر إلى الهند مع فرقة مزيكا تم استدعاؤها بالخطأ، بدلًا من فرقة القوات الخاصة، أكثر من نصف وقت الفيلم نمضيه فى التمهيد لوقوع هذه المفارقة، والنصف الثانى يخلو من أى عقدة، مجرد افتكاسات فارغة وعكوسات مصطنعة لا منطقية فيها ولا متعة، ويظل الفيلم متمرجحًا، حتى النهاية المألوفة التى يتنمر فيها الضابط، ويقول بملء فمه «أنا هانفذ العملية يا فندم، أنا عمرى ما فشلت فى حاجة ومش هافشل». فعلى سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لماذا لم يحتفظ المؤلفان بخط الهزلية لآخره؟، لماذا فكرا بأن يتعاملا مع هذا الضابط وفرقته بطريقة جدية تنافى ما جاء سابقًا فى السيناريو، لماذا لم يتما موضوعهما بنهاية مبتكرة تشبه كرتونية الأشخاص والأحداث الفارغة التى قدموها، إجابة هذا السؤال تكمن ببساطة فى كونهما لم يملكا مثل هذه القدرة على التفكير من الأساس، فاتجاههما للمعالجة الهزلية من البداية لم يكن اختيارًا محددًا وواعيًا، ولهذا فإن الحفاظ عليه لم يكن بيديهما أيضا، كل شىء تم بناءً على قلة حيلتهما لا أكثر ولا أقل.
المشاهد الأولى فى الفيلم (وخصوصا مشهد إنقاذ الدكتور الذى وافق على عقد صفقة لبيع أبحاثه لدولة أجنبية، ومشهد المفارقة التى يلقى فيها الضابط البطل خطبة طويلة تشرح مهام العملية القاسية لأفراد فرقة المزيكا ظنًا منه أنهم فرقة القوات الخاصة، ومشهد رقم خدمة عملاء العمليات الخاصة)، كادت تصيب المنطقة الدقيقة للارتجال المقبول، الذى مهما بلغت درجة شططه، يظل مرتبطًا بخطة مشهدية ما، وتتابع جيد لسيناريو متقن لا يخلو من الاجتهادات. ولكن فيما عدا هذه المشاهد، الطين أصبح بلة، والحابل اختلط بالكثير من النابل. الارتجال من الممثلين أصبح ثقل ظل، والمشاهد لم تعد مشاهد، بينما فقرات سيركية مبتورة، متمطوحة، لا تعى من أين مبدأها، وإلى أين ستكمن نهايتها.
آخر كلمتين:
_ حينما ستسأل جمعا من الناس عن رأيهم فى «جحيم فى الهند» ستجدهم برضا ما يقولون «فيلم حلو». فالمتفرج لن ينسى أن الفيلم أضحكه فى المشاهد الأولى، وسيظل يقنع نفسه أنه لم يفقد متعته، لن يزن الأمر بعقله صدقنى فى مسألة كهذه، هل تعلم ثمن تذكرة السينما التى أهدر نقودها، لابد أن يداخله شىء من الطمأنينة بأنه لم يخسرها هكذا. بهذه الطريقة تكومت ملايين إيرادات «الجحيم الهندى»، أين تلك الخيارات التى لا تتعالى على ذوق هذا المتفرج، فى موسم عيد انتوى أن يصطحب فيه عائلته إلى السينما، وأين ذلك العدل الذى يضمن توزيع متكافئ لأفلام مثل «من 30 سنة» فى مقابل توزيع أفلام السبكى.
_ إلى «محمد إمام» إلى الآن أنت لم تُرَ، أنت تطلق حشدا وتركض خلفه متواريًا، إن جرى مسرعًا وفاز بالسباق تنسب إلى نفسك الفضل، إن كنت موهوبًا اجتهد بحق، فلا يسعنى أنا وغيرى أن نقيم أداءك بواقعية، لأنك لم تؤد من الأساس، أنت لم تُرَ، وسقراط يقول « تكلم حتى أراك».