نبيل صديق
«فخ الديون».. وتعدى الطوفان!!
«فخ الديون».. البوابة الرئيسية لتدمير الدول والشعوب، عندما توسع الخديوى إسماعيل فى ستينيات القرن التاسع عشر فى الاستدانة من أجل تحقيق حلمه بتحويل مصر إلى قطعة من أوروبا، ومع الوقت تحول الحلم إلى كابوس، بعد العجز عن سداد الفوائد والديون، وتدخل الدائنون وفرضوا وزيرا إنجليزيا للمالية وآخر فرنسيا للاشتغال فى الحكومة المصرية وتحول الكابوس إلى كارثة مدمرة بالاحتلال، ودخل الإنجليز مصر بحجة حماية حقوق الدائنين، واليوم لا يختلف الأمر انظروا كيف مصت الرأسمالية العالمية دماء الشعوب الفقيرة طوال النصف قرن الماضية، تغرق الشعوب فى أحلام النمو والارتقاء عن طريق الديون ثم تتحول الدول والشعوب كأسرى لدى الدائنين، تستولى على الموارد الطبيعية ونتاج كد وتعب الشعوب لسداد فوائد الديون فقط ولكن الديون مستمرة وتتزايد وأبرز مثال لذلك دول أمريكا الجنوبية «الإكوادور- شيلى- فنزويلا.. بنما»، وغيرها عائد اقتصادهم ومواردهم الطبيعية مثل البترول، يمصها الدائنون بلا رحمة ولا يتركون شيئًا للتنمية أو التعليم أو الصحة فى هذه الدول، وهذا جرس إنذار خطير لمصر، حيث إن وزراء المالية فى السنوات الأخيرة لا يملكون حلولاً أو ابتكار وسائل مختلفة لحل أزمة عجز الموازنة ولا يعرفون إلا أسوأ الحلول «فرض ضرائب- الاستدانة»، وأرقام الديون الآن تدق ناقوس الرعب وليس الخطر، الدين الداخلى تجاوز الناتج القومى بثلاثة أضعاف ووصل إلى 3.1 تريليون جنيه، وتجاوز الدين الخارجى الـ53 مليار دولار، ود.سحر نصر وزيرة التعاون الدولى أعلنت عن طلب 7 مليارات دولار أخرى من البنك الدولى منذ ثلاث سنوات كان مخصصا 80 مليار جنيه فقط فى ميزانية الدولة لسداد فوائد الديون ثم ارتفع إلى 150 مليار جنيه ثم 200 مليار جنيه، وأخيرًا فى الموازنة الجديدة التى بدأت فى أول يوليو الحالى إلى 300 مليار جنيه إلى ما يقرب ثلث حجم الموازنة وهذا على حساب خفض التعليم والصحة والبنية الأساسية، وأدى إلى تدهور الأجور رغم الزيادة السنوية، وتدنى مستوى المعيشة، وتفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وظهور ملامح الشيخوخة على ملامح الطبقة الوسطى بعد ترنح سنوات، ولجأ أبناؤها للعشوائيات للسكن على أطراف القاهرة والمدن وتوسعت معهم العشوائيات وتهاوى أغلبها إلى قاع المجتمع فى ظل عمليات التهميش الاجتماعى وخطورة الطبقة الوسطى أنها عماد أى نهضة، وانهيارها بهذا الشكل أدى إلى زيادة حدة الفساد والانحراف وبروز سلوكيات لا تعبر عن القيم التى كانت سائدة من قبل وأدى إلى ارتفاع معدلات التمرد والانفجار، وارتفاع حدة الأنانية الفردية، وانتشار الانتهازية وتفشى شعار «أنا ومن بعدى الطوفان»، بسبب صعوبة الحصول على العلاج المناسب، وارتفاع تكاليف المعيشة من غذاء وكهرباء ومياه واتصالات.
هنا لابد من التوقف ورصد ودراسة الآثار السلبية لسياسات الاستدانة والتوسع فيها، لأنها تضرب فى قلب الاقتصاد المصرى والمجتمع معًا بقوة، لابد من معالجة تداعيات خفض الإنفاق الحكومى على التعليم والصحة والبنية الأساسية. •