أشعر بالفخر كلما حضرت احتفالات التخرج للكليات العسكرية، ومع انتهاء كل احتفال كنت أزداد طمأنينة وتفاؤلاً بالمستقبل، الذي يحمله هؤلاء الضباط علي أكتافهم، بعد أن تم تدريبهم بأفضل وأحدث التقنيات العالمية.
ضباط مصر خير أجناد الأرض ليسوا كأي جنود، فهم لا يتقنون فقط استخدام أحدث الأسلحة، وتطوير الأسلحة القديمة، ولا يجيدون فقط أفضل فنون القتال، ولكنهم متشبعون بالشرف العسكري، والأخلاق العسكرية، ويقطرون حباً وعشقاً لتراب البلد ولشعب أولاد البلد، فأصبحوا بحق خير أجناد الأرض.
الجيوش ليست عددا وعتاداً، ولكنها انتماء وعقيدة، والتربية العسكرية ليست خططاً ومعارك، ولكنها إيمان راسخ بأنه ما دون النصر الشهادة، وهي حب الوطن قبل حب النفس.
كم من جيوش كبيرة تملك عدداً وعتاداً استسلمت أمام غزو لعدو، ولعل استسلام الجيش العراقي أمام الغزو الأمريكي البريطاني لازال عالقاً في الأذهان.. وسقطت بغداد دون أدني مقاومة من الجيش العراقي العرمرم الذي كان يمتلك أكبر أسطول دبابات في المنطقة.
وجيوش أخري انقسمت إلي فئتين فدمرت بلادها وكانت وبالا علي بلدها وأكثر تدميراً وقتلا للشعب من الأعداء.. وسوريا وما يحدث فيها خير شاهد علي أن انقسام الجيوش أشد خطراً علي أي بلد من العدو.. وجيوش انفصلت عن شعوبها فأصبحت كالآلات بلا عقل هي ملك من يستخدمها.وما حدث في تركيا مؤخرا صورة حية لهذا المثال، فرأينا طائرات من الجيش تقصف مباني مدنية، وتقتل مدنيين، فما كان من مرتزقة وميليشيات إخوان أردوغان إلا أن جرّدوا الجنود من ملابسهم، وأبرحوهم ضرباً بالأحذية والأحزمة. فأهين الجيش التركي مرتين عندما أسره الشعب، وعندما أصبح بلا عقل وانقسم ولم يكن علي قلب رجل واحد، فأصبح هشاً تذروه الرياح، ورغم أن الجيش التركي ترتيبه التاسع عالمياً، إلا أن أردوغان وحزبه الإخواني كسروا عظام الجيش من الداخل، وكانت النتيجة بداية الانقلاب في 15 يوليو الماضي.
وعندما سقط العقيد القذافي في ليبيا انهار الجيش ورأينا أسلحة الجيش تباع في الأسواق.. وكان جيش ليبيا يمتلك أحدث الأسلحة، وكانت تبعات ذلك بلداً مفككاً لا يستطيع أن يقوم، ويرفض المجتمع الدولي تسليح الجيش الليبي من جديد، لتقوية دعائم الدولة.
واليمن الذي لم يعد سعيداً بعد أن أصبحت فصائله المتعددة أقوي من جيشه، وانهار البلد وتشتّت اليمنيون.
• • •
الحمد لله الذي حبا وحما مصر بقواتها المسلحة الباسلة الأبية التي تتحلي بالشرف والأخلاق العسكرية ولا تحكمها ولا يحركها إلا الشعب، ولا ولاء لها إلا لمصر والمصريين، وما أتحدث عنه ليس كلاماً بل ترجمة لأفعال جيشنا العظيم الذي استمع لأنين الشعب من فساد الملكية وطغيان الاستعمار واستجاب لأحلام أبناء بلده في أن يكون حراً ومستقلاً علي أرض بلده فثار في 23 يوليو عام 1952، وانتصر للشعب وللكادحين والمعدمين فيه، وحمل الضباط الأحرار رؤوسهم علي أكفهم ووقفوا في وجه الملك والاستعمار، وأصبحت ثورة يوليو التي لم تسل فيها قطرة دم، أيقونة التحرر والثورات في البلاد العربية والأفريقية.
وهو جيش مصر العظيم الذي يحمينا في الداخل والخارج، الذي انتصر علي العدو الإسرائيلي في معركة أكتوبر 1973 المجيدة، ومازالت المدارس العسكرية في العالم تدرس خطة الحرب والنصر.
الجيش مستمر في الانحياز لبني وطنه، ففي ثورة 25 يناير 2011، استجاب لنداء الشعب لإنهاء حكم كانت جذوره ضاربة في البلد 30 عاماً فأجتثه الشعب وسانده الجيش. وعندما استولي الإخوان علي الحكم بعد أن خدعوا الشعب بقفزهم علي الثورة، وتيقن المصريون أن الإخوان ماهم إلا محتلون جدد للبلد، ثاروا.. ولو لم ينجدهم وينقذهم الجيش، لقتلت ميليشيات الاحتلال الإخواني الشعب الأعزل.. وقضي الشعب بمساندة الجيش علي الاحتلال الإخواني في 30 يونيو 2013.. ولولا هذه الثورة لظلت مصر تحت وطأة هذا الاحتلال 80 سنة قادمة.
• • •
ظني أن المشهدين اللذين حدثا من القائد الأعلي ومن عريف في حفلة تخرج دفعة ضباط الصف بالتل الكبير يجسدان ويعكسان عقيدة وشرف وأخلاق العسكرية المصرية، المشهد الأول عندما أخطأ مدير معهد ضباط الصف ووقف أمام المشير حسين طنطاوي أثناء مراسم تسليم المصحف الشريف للرئيس كهدية تذكارية من المعهد، ثم تدارك الخطأ بسرعة حيث كان المشير طنطاوي يجلس بجوار الرئيس، فما كان من الرئيس عبد الفتاح السيسي القائد الأعلي للقوات المسلحة إلا أن أهدي المصحف للمشير طنطاوي بعد أن تسلمه.
وقبل هذه الواقعة وأثناء تقديم الخريجين للعروض العسكرية التي استمرت 3 ساعات وكانت الشمس في كبد السماء، وقع عريف من الخريجين مغشياً عليه، وعندما دخل المسعفون لحمله علي نقالة خارج ساحة العرض قاومهم لكي يبقي ويستكمل دوره في طابور العرض رغم تدهور حالته الصحية.
آخر كلمة
مصر ستظل تتحدث عن نفسها بجيشها العظيم.. ولو كره الكارهون.