منذ دخول قمبيز. قائد الفرس إلي بر مصر. محتلاً أرضها سنة 525 قبل الميلاد. لم يحكمها حاكم مصري حتي 23 يوليو سنة 1952. ظل الفرس يحكمونها بداية من احتلالها في ذلك التاريخ. حتي سنة 300 قبل الميلاد. وخرجهم علي يد الإسكندر الأكبر. الذي استطاع التقدم إلي الشرق مجتاحاً دولاً عديدة حتي بلاد السند والهند. وما حولها.
استمر الإغريق والبطالمة في البلاد المصرية يحكمونها. حتي استطاع الرومان طردهم والاستيلاء علي مصر سنة 31 قبل الميلاد. أخضعوا المصريين لسطوتهم وحكمهم. ولم يتحرروا من ظلمهم حتي دخل العرب بعد سنة 640 ميلادية علي يد عمرو بن العاص. الذي أرسي قواعد الحق والعدل. وأتاح للأقباط ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وصدق. وأطلق أيدي المصريين القبط في إدارة البلاد ومساعدته في حكمها.
تناوب علي حكم مصر أنماط من الحكام والأجناس المتعددة: عرب. عبيد من غير العرب. ومماليك من أقطار متعددة.. أتراك.. ألبان. حتي سنة 1952. ليأتي اللواء محمد نجيب قائد ثورة يوليو. ليكون أول حاكم مصري بعد أكثر من ألفي سنة.. استقبله المصريون استقبال المنتصرين. وأحبوه حباً جماً. فرحوا به فرحاً عظيماً. حتي كان المرء يلحظ انتشار تسمية معظم الذكور الذين ولدوا بعد الثورة حتي سنة 1954. باسم محمد نجيب.
استقبل المصريون البيان الأول الذي ألقاه محمد أنور السادات. من الإذاعة المصرية بفرح عام. وشعور بالوطنية. والنصر.. وهتف الجميع للجيش الذي استطاع تخليص البلاد من حكم الأجانب. وشعر المصريون بأن من بينهم جنود حملوا أرواحهم علي أكفهم. وقاموا بحركة جريئة وشجاعة للقضاء علي نظام الحكم في البلاد وتدرجت حتي أصبحت ثورة جيش يؤيدها ويدعمها الشعب.
إذا استطعت مراجعة الصحف التي صدرت بعد الثورة. ورصدت حركة الجماهير والتفافها حول رجالها والشعبية الجارفة التي نالها القائد محمد نجيب لأدركت مدي الشعور بالنصر وعمَّت الفرحة في قلوب الناس بنجاح الثورة التي أملوا منها كل خير. وشعر الجميع أن بلدهم رُدَّت إليهم. وأن نصرهم جاء علي يد جيشهم الذي أزاح نظاماً ملكياً وأقام أول حكم جمهوري في البلاد علي رأسه رجل مهم.
ما يهمنا في هذه الكلمة هو إبراز أن مصر لم يحكمها أحد من أهلها علي مدي أكثر من ألفي سنة وأن شعبها لم يحاول طوال هذه المدة أن يقاوم المستعمر ويعمل علي طرده. إنما ترك تلك المهمة لمستعمر آخر. فنجد الإغريق هم الذين تصدوا لطرد الفرس. والرومان هم من عملوا علي طرد البطالمة. وحلوا محلهم في حكم البلاد. ثم جاء العرب والمسلمون هم من تولوا طرد الرومان والقضاء عليهم.
الغريب أن الملاحظ حين سنحت فرصة للمصريين بطرد الحكام الأتراك من البلاد بعد خروج الفرنسيين سنة 1801 لم يأتوا بحاكم منهم يتولي إدارة البلاد. إنما اتجهوا بقيادة عمر مكرم إلي تولية عسكري ألباني جاء ضمن الحملة التركية لطرد الفرنسيين هو محمد علي.
بغض النظر عما إذا كان هذا الرجل مفيداً للبلاد وأدارها بعقلية قيادية فعالة. إلا أنه لم يكن مصرياً. ولذلك عامل هو وخلفاؤه من بعده الشعب المصري علي أنه أقل درجة من طبقتهم. ويظل اختيار العلماء والوجهاء والمشايخ لحاكم غير مصري ــ في فرصة كانت متاحة ــ لغزاً يحير قارئ التاريخ. ويثير في نفسه غيظاً وحزناً من سكوت الشعب. بل رضاءه علي هذا الاختيار.
أتمني من كُتاب التاريخ بحث هذا السلوك وتبريره أو تفسيره لتقف الأجيال القادمة علي تاريخ وطنها بعيون منصفة باحثة.