ليلى تكلا
أين الحكومة؟ وأين هيبة الدولة؟
أصبحت الأغلبية فى مصر تعانى من أخطاء وأخطار وجرائم من أقلية ترتكب جرائم القتل والحرق والتدمير والإهانة بأسلوب متكرر يعطى انطباعاً مبرراً أنها مطمئنة أنها لن تعاقب، سوف تفلت وتنجو بأفعالها.
إن ما يرتكب من جرائم وحشية ضد المصريين المسيحيين، والذى تكرر، أمر يثير غضب المصريين جميعاً. المسلمون الذين عبروا علناً عن رفضهم لهذه الأحداث كانوا أكثر من المسيحيين، وتدعو أيضاً للحيرة وتثبت أن هناك تناقضا حادا بين شعور المواطنين ومواقف الحكومة إزاء هذه الأحداث. كان من نتائج ثورة التحرير 30 يونيو انحسار ملحوظ لحوادث «الفتنة» الطائفية وظهور تلاحم وملامح من محبة بين المصريين. امتلأت الشوارع بالمصريين على اختلاف توجهاتهم الدينية والمذهبية والسياسية ومستوياتهم التعليمية والثقافية والاقتصادية كان مظهراً رائعاً من مظاهر الوحدة والمواطنة.. جلسوا معاً يتناولون إفطار رمضان بينما أجراس الكنائس تدق وآذان الصلاة يعلو.
ذلك الشعور الطيب مازال موجوداً بدرجة كبيرة على المستوى الاجتماعى بين الأفراد لكن هناك غضب وسخط بسبب تقاعس شديد من المسئولين فى مواجهة وحسم هذه المشاكل.
إن مصر التى تغلبت على غزاة عتاة وطردت جيوشا وقادة وتخلصت من استعمار مختلف الأشكال. لن تنال منها قوى لا تريد لها التقدم، ولن تهزمها مشاكل اقتصادية أو أمنية. الشىء الوحيد الذى يمكن أن ينجح فى قهرها هو أن يقوم المصرى على المصرى. هذا ما نعلمه جميعاً وأيضاً يعلمه أعداء مصر من جماعات ودول ولكن يبدو أن الحكومة لا تستعد له ولا تردعه مما يعطى انطباعاً خاطئاً أنها تهادن المنحرفين. وأصبح عليها أن تقدم ما يقنع الشعب بعكس ذلك. وهى التى أعطاها الدستور اختصاصات كانت لرئيس الجمهورية واصبحت المسئولة أمام الشعب والبرلمان. وكنت أتوقع من لجنة الأمن القومى به أن تطالب الحكومة بتقرير عن أحداث المنيا وغيرها وعن خطتها لمنع تكرار هذه الحوادث أو الحد منها.
الأسئلة التى تحير العقل وتثير التعجب كثيرة هل الدولة تدرك أن من 2011 لليوم ارتكبت فى المنيا 77 حادثا طائفيا؟ هل تعرف الحكومة أن عشرة منها وأسوأها حدث فى عهد المحافظ الحالى؟
هل الحكومة تعرف عدد معاهد التعليم »الدينى« التى تتكاثر فى المنيا لملء الفراغ التعليمى والثقافى والرياضى؟ وهل تعرف عدد الجمعيات الأهلية المتطرفة بها؟ وهل تعرف الأوقاف عن عشرات الزوايا التى تنبثق فى الصعيد ؟
مما يزيد الحيرة أن الرئيس أثبت قولاً وفعلاً أنه يتعامل مع جميع المصريين بالتساوى وأن لدينا وزيرا للتنمية المحلية ووزيرا للداخلية مشهودا لهما بالوطنية والكفاءة أين المشكلة إذن ؟ هل يمكن أن تكون «كما يظن البعض» أنها سياسة حكومة تضر بالوطن ليس عن عمد بل عن تجاهل..
صحيح أن المواطنين عليهم عدم الوقوع فى فخ الأعداء الذين يسعون لإيجاد الفرقة ، وأن رجال الدين عليهم البعد عن السياسة وعدم الإثارة وأن المعارضة المصرية عليها ألا تسهم فى إشعال ما يحرق وحدة الوطن.
كل هذا صحيح لكن معه بل قبله الحكومة عليها اتخاذ موقف جاد صارم رادع إزاء كل من ينفذ خطط العدو التى تسعى لتخريب المجتمع. عليها مسئولية الإسراع والجدية فى تناول هذه الجرائم وعدم الميوعة فى مواجهة مرتكبيها، وعدم الإبطاء فى إصدار الأحكام وفى تنفيذها وعليها أيضاً وبجدية ووطنية نفترضها فى أعضاء الحكومة وفى البرلمان اتخاذ الخطوات وإصدار القرارات والتشريعات التى تسد ثغرات معروفة محددة تؤدى إلى الصدام وتضخ فى المجتمع ثقافة التفرقة والتقسيم.
نقلق جميعاً من موقف الدولة من الذين اعتدوا على شرف مصر وكرامتها وأسلوب التعامل مع مرتكبى هذه الجريمة وغيرها موقف يتفاوت بين الإنكار وأحكام البراءة نتعجب جميعاً من الإبقاء على أى محافظ يغرس قيم التخلف والخرافة والتضليل. إن فى إبقائه تشجيعاً لغيره وللمنحرفين.. عدم المحاسبة والحسم أدى إلى تكرار الحوادث فى تحد صارخ ساخر ومشين للمسئولين والأجهزة.
لقد تجاوزنا مرحلة اللقاءات والقبلات وعلينا تجاوز مرحلة «إطفاء الحرائق» والتركيز على منع الاشتعال بتجفيف المنابع واتخاذ إجراءات من بينها:
تشكيل لجنة مصغرة تعمل فى الظل دون إعلام تشتمل على مندوب وزير التنمية المحلية له دراية بأحوال المحافظات ، مندوب للكنيسة، مندوب بيت العائلة، أخصائى فى التنمية الإجتماعية والبشرية ، خبير فى إدارة الأزمات والإنذار المبكر.
أجهزة الأمن الوطنى عالية الكفاءة ثرية المعلومات عليها جمع الخلايا التى تحرض على العنف للمساءلة والمحاسبة والمراقبة.
محاسبة الذين ينشرون فيديوهات تنتشر وتتكاثر وتبث الكراهية وتدعم العنف وهى بالقطع أشد خطرا على أمن الدولة من رأى الكاتبة فاطمة ناعوت ضد قتل الخراف!
ما يحدث من المنحرفين ومن المسئولين فى المنيا وغيرها ليس فقط إهمالا وتقصيرا لكنه حسب م98 من قانون العقوبات أسوأ أنواع جرائم إزدراء الأديان إذ تضر بالوحدة الوطنية والسلام الإجتماعى.
الأقباط يفهمون تماماً الأبعاد الحقيقية لهذه الإعتداءات وأن المقصود بها ليس فقط الكنيسة أو المسيحيين إنما ضرب مصر تماسكها ،صلابتها، ورئيسها. تدعوهم الكنيسة كالمعتاد إلى ضبط النفس والتمسك بالمحبة والسلام وهم إن كانوا لا يتوقعون المحبة والسلام من جماعات الشر فإنهم يتوقعون من الحكومة الحزم والعقاب وحمايتهم وتطبيق القانون والأحكام العاجلة الرادعة.
قد يكون مفهوماً وإن لم يكن مقبولاً أن أعداء مصر من دول لا يريدون لها استكمال مسيرة التقدم يعملون على ضرب الاستقرار والوحدة التى هى ركيزة التنمية، وقد يكون من المفهوم أن هناك جماعات ثائرة فقدت الحكم وتسعى للسلطة وهى واسعة الثراء منظمة تعلم تماماً أن مصر لن ينال منها سوى العداء بين أبنائها.
إنما غير المفهوم ولا المقبول ولا المنطقى أن تقصر الحكومة فى إدراك خطورة هذه الحوادث وتداعياتها ونتائجها داخليا ودولياً ولا تتخذ مواقف حاسمة تثبت بها وجودها واحترام هيبة الدولة. حفظ الله مصر.