بقدرة قادر تحول «الدولار» إلى حديث المدينة.. فإذا مررت بإحدى الأسواق وسألت عن سر ارتفاع سعر «الفجل» سيبادرك البائع البسيط بالإجابة التالية «شوف الدولار بقى بكام النهاردة». فبين غمضة عين وانتباهتها كسر «المجنون»، الدولار، حاجز الـ12 جنيها ليتجاوز سعره فى السوق السوداء، التى يلقبونها بمكاتب الصرافة، 13 جنيها وأكثر ليحطم كل أساطير البنك المركزى الذى يضحك علينا صباح كل يوم ليخبرنا بأن سعره 8.88 جنيه. وفى واقع الحال فإن أزمة الارتفاع الجنونى المستمر فى أسعار الدولار كشفت عن أزمة خطيرة فى التعامل سواء من البنك المركزى، المسئول الأول عن تحديد سعر الصرف، أو الأداء الحكومى المتدنى الذى اكتفى فيما يبدو بإعطاء جرعات من الصبر والزهد للمواطنين من عينة: «الغلابة لن يتأثروا جراء ارتفاع سعر الدولار» فى حين شهدت كافة أسعار السلع ارتفاعاً كبيراً بصورة أفقدت الجنيه المصرى أى قدرة شرائية ودعلت من قيمته فى «الحضيض». وبطبيعة الحال أدار مجلس النواب ظهره للأزمة وكأنها لا تعنيه من قريب أو بعيد فيما عدا بعض طلبات الإحاطة والاستجوابات التى جاءت «ذراً للرماد فى العيون» أو «برو عتب» بحسب التعبير الشعبى الدارج. فيما اختفت تماماً الكفاءات الاقتصادية والإدارية عن مجابهة الموقعة الضارية ولم يخرج علينا مسئول «يوحد ربنا» ليخبرنا ما الذى يجب علينا فعله لمواجهة «طوفان الدولار»، كما لم يصارحنا رئيس الوزراء أو أى وزير مختص ببرنامج محدد لوضع نهاية أمام هذا النزيف الذى يعانيه الجنيه المصرى وتركت كل الاحتمالات على المحك لدرجة دفعت بعض المتشائمين بوضع سيناريوهات سوداء للأيام المقبلة. والنتيجة الطبيعية سيطرة مشاعر البؤس والانزعاج على وجوه المصريين بدلاً من أن تكسو وجوههم فرحة المشروعات القومية الكبرى التى بذلت القيادة السياسية متمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى قصارى جهدها فى بدأها وتنفيذها مثل مشروع قناة السويس الجديدة أو مشروعات الإسكان العملاقة.. وهذا يوضح بما لا يدع مجالاً للشك مقدار فارق التوقيت بين ما يخطط له الرئيس وما تفعله الحكومة التى لا تألو جهداً فى تضييع فرحة المصريين بتلك الإنجازات الوطنية. وليس بعيداً عن كل هذه التحديات الخطيرة ما بات يعانيه السواد الأعظم من أبناء هذا الشعب الصامد الصابر من تدنى أحوال المعيشة وانعدام القدرة على احتمال أى ضغوط إضافية، فجميع الأرقام تؤكد انخفاض راتب الموظف والعامل فعليا بنسبة انخفاض الجنيه أمام الدولار، التى زادت عن 70 % مما يهدد بأوضاع مالية كارثية. ليس ذلك فحسب.. بل أن هذا السقوط المدوى لقيمة الجنيه يصاحبه اضطرار الحكومة المصرية إلى اتخاذ ما تصفه بأنه حزمة من القرارات الصعبة أو المؤلمة أو الموجعة، ويتضمن زيادات فى أسعار معظم منتجات الطاقة، وكذلك بعض الخدمات، إضافة إلى قرب إقرار مجلس النواب لقانون ضريبة القيمة المضافة، من وجهة نظر خبراء الاقتصاد فإنه لا مفر عن اتخاذ هذه القرارات، إذا كنا نريد حل هذه المشكلة، ومن وجهة نظر المواطنين محدودى ومتوسطى الدخل، فإنهم هم الذين يدفعون الثمن فى كل مرة تفكر فيها الحكومة أن تتقشف. وإزاء كل ما سبق فإنه يتعين على كل مسئول فى موقعه إدراك الأخطار الكبرى التى تواجه هذا البلد الأمين وسرعة التحرك لإنقاذ سفينة الوطن قبل أن تغرق.. وأسمح لنفسى باستعارة كلمات الرئيس التى قال فيها «لما بلد بتغرق بيكون من الصعب بل المستحيل أن تنهض مرة أخرى».. وربنا يستر.