أشرف الصباغ
فضيحة الحرب الرياضية الساخنة بين روسيا والغرب
حرب باردة هكذا يصف المراقبون ما يسمى فضيحة المنشطات الروسية، إذ حُرِم حتى الآن أكثر من ربع الرياضيين الروس من المشاركة في الألعاب الأوليمبية المقبلة في ريو دي جانيرو.
يذكر أن الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (وادا) شنت حملة واسعة تهدف لمنع كل المنتخب الروسي من المشاركة في الأوليمبياد، لكن على ما يبدو فإن رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية توماس باخ رفض الرضوخ للضغوط الغربية وأبَى أن يخلط السياسة بالرياضة، حيث ترك القرار أمام الاتحادات الدولية لكل نوع من الرياضات لاتخاذ قرار السماح بالمشاركة من عدمه لكل رياضي.
ورغم أن الاتحاد الدولي لألعاب القوى IAAF اتخذ قرارًا بمنع كل الرياضيين من المشاركة، فإن باقي الاتحادات لم ترضخ حتى الآن لذلك، لتجد نفسها أمام ضغوط الوكالة العالمية (وادا)، وهو ما جعل العديد من المسؤولين يوجهون الاتهامات لهذه الوكالة.
في هذا السياق اتهم رئيس الاتحاد الدولي للسباحة خوليو ماجليوني لجنة وكالة (وادا) وعلى رأسها الكندي ريتشارد ماكلارين، اتهمها بتخطي صلاحياتها خلال التحقيقات معتبرا أن عليها تقديم توضيحات آجلا أم عاجلا حول وظائفها.
وفيما يتعلق بتقرير ماكلارين الذي تستند إليه اتهامات (وادا) يشير الكثيرون إلى أنه يتضمن العديد من المعلومات المغلوطة. وفي هذا الصدد أعلن عضو اللجنة التنفيذية للجنة الأوليمبية الدولية السويسري ريني فازيل، أن بعض المعلومات التي وردت في تقرير ماكلارين خاطئة كليا.
يشار إلى أن التقرير يحتوي على العديد من المعلومات المبهمة وغير المستندة إلى حقائق عملية. ومن أبرز هذه الأمور، ورود اسم يفجيني أنتيلسكي. حيث يذكر التقرير أنه يعمل في الوكالة الروسية لمكافحة المنشطات ويتهمه بجمع عينات الرياضيين لتبديلها لاحقا. واتضح في نهاية المطاف أنه لا وجود إطلاقا لمثل هذا الشخص في الوكالة. هناك أيضا تضارب واضح في أقوال الرئيس السابق لمعمل موسكو لمكافحة المنشطات جريجوري رودتشينكوف فيما يتعلق بإتلاف عينات الرياضيين، إضافة إلى اتهام المخابرات الروسية بأنها كانت تبدل عينات الرياضيين بطريقة "لا تترك آثارا"، فيما يشير التقرير في الوقت نفسه إلى أنهم لا يعلمون ما هذه الطريقة السحرية!
وللوقوف أكثر عند هذه "الفضيحة" فإننا نرى أن (وادا) اتبعت طريقة بسيطة تم من خلالها في البداية البحث عن واشين من ضمن الرياضيين الروس ليجدوا ضالتهم في العداءة يوليا ستيبانوفا، التي قامت بعد ذلك بتكييل اتهامات للمسؤولين الروس دون أن تدعم ذلك بأي دلائل. وبعد ٦ أشهر، كانت (وادا) تبحث من خلالها على "الأدلة" مستغلة هذه العملية في دراسة عينات من الرياضيين الروس لجمع المعلومات عن أكثر الأدوية انتشارا بين الرياضيين الروس، جاء قرار الإعلان عن أن الميلدونيوم هو من المنشطات، فينهال سيل الاتهامات من كل مكان بأن الانتصارات الروسية الرياضية ما هي إلا نتيجة المنشطات، وأن بوتين والمخابرات الروسية يقفان وراء ذلك.
تلا ذلك عدة أشهر تم في غضونها الترويج لهذه الاتهامات وتواصلت التحقيقات الدولية ولكنها لم تجد أي شيء سوى الميلدونيوم "واعترافات" بعض الرياضيين. ولو كانت هذه الاتهامات حقيقة لقدمت الوكالة الدلائل لكل العالم ولكن عكس العرف المتبع بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ادانت (وادا) كل الرياضة الروسية دون أن تثبت ذلك.
وقد يطرح البعض تساؤلات حول الميلدونيوم، ما هو؟ إنه دواء تم اختراعه في الاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن الماضي، ويعمل على تحسين عمليات الأيض في الخلايا المعرضة لنقص الأكسجين والتروية، حيث يزيد من تدفق الدم إلى هذه الخلايا. والسبب الذي جعله ينتشر بين الرياضيين منذ ٣٠ عاما هو أنه يحسن عملية تعافي الخلايا بعد المشاركة في الألعاب الرياضية. هنا يبرز السؤال عن السبب الذي حدا باللجنة الأوليمبية إلى اتخاذ قرار إدراج دواء الميلدونيوم ضمن المنشطات تحديدا في وقتنا الحالي؟ إذ إن قرار منع هذا الدواء دخل حيز التنفيذ فقط مطلع العام الجاري.
وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الاتحاد الدولي لألعاب القوى IAAF كان قد علق عضوية روسيا لألعاب القوى فيه نهاية العام الماضي، أي أن قرار منع الميلدونيوم جاء بعد ذلك. وعلى الأغلب فإن كثيرا من الرياضيين الروس لم يعلموا بأن هذا الدواء أصبح محظورا. وهو أمر أشارت إليه الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (وادا)، كما أنها أعلنت في أبريل الماضي أنها ستأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وأشارت إلى عدم وجود معلومات علمية كافية لديها حول إفرازات هذا الدواء، بالرغم من كل هذه الأمور فإن الوكالة واصلت حملتها الموجهة ضد روسيا.
الطريف هنا أن (وادا) استغلت هذه المسألة لجني الأموال، حيث طالب رئيسها كريج ريدي بزيادة التمويل معتبرا أنه قد آن الأون "لتنظيف الرياضة". بل ولم يتوقف كسب الأموال عند ذلك وحسب، فالرياضية الروسية يوليا ستيبانوفا التي كانت "الواشية" ستحصل على جائرة نقدية ألمانية قدرها عشرة آلاف يورو.
هذا الأمر يذكِّرنا بحادثة أخرى أجمع حينها المتابعون على أنها أيضا خلطت بين السياسة والرياضة، عندما حاولت اللجنة الأوليمبية الدولية إزالة رياضة المصارعة من الألعاب الأوليمبية. هي الرياضة التي كانت روسيا رائدة فيها، ما يدفع للتساؤل عن سبب استهداف هذه الرياضات. والجواب بسيط فلطالما تصدرت روسيا المصارعة والسباحة وألعاب القوى، وهو ما جعلها تحتل المراكز الأولى في كل الألعاب في تاريخيها الحديث والقديم. وكان رياضيوها الذين حطموا أرقاما قياسية في العديد من المجالات، ومن بيهم يلينا إيسينبايفا التي تحمل في رصيدها ٢٨ رقما قياسا. ولكنها هي الأخرى حرمت من المشاركة في الأوليمبياد المقبل.
كثيرون يعتبرون أن هدف هذه الحملة يأتي خصيصا لمنع مشاركة مثل هؤلاء الأبطال وتلطيخ سمعتهم وسمعة روسيا بأكملها في خضم تناحرات سياسية واقتصادية تعصف بالمنطقة. بل واعتبر آخرون، أقرب إلى المطابخ السياسية في أوروبا والولايات المتحدة، أن المسألة سياسية تماما وبالكامل وتتعلق بسياسات روسيا عموما، وبتوجهات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وجه الخصوص. ومع ذلك فإنجازات شارابوفا وإيسينبايفا وغيرهما ستبقى في ذاكرة الأوساط الرياضية وتاريخ الرياضة في العالم. وهذه البطولات والانتصارات الرياضية الروسية لا تتعلق إطلاقا بمن يجلس على عرش الكرملين، ومهما اختلفت سياسة موسكو، سيبقى رياضيوها يتنافسون بشرف في كل الفعاليات والمنافسات الأوليمبية.