التحرير
أحمد الصاوى
حروب عربية لتمكين الخصوم
نادرا ما حدث تدخل عسكرى فى دولة عربية دون مشاركة عربية أو غطاء عربى، أخرج الحروب مع إسرائيل من الحسبة، وانظر من بعد الثمانينيات، إلى الدور العربى وفى القلب منه الخليجى، وفى القلب منه السعودى، وحاول أن ترى النتائج.

ليست المشكلة فى حد ذاتها فى التدخلات، أو فى نزعة السعودية المشروعة للدفاع عن نفسها، أو إحساسها بأحقيتها فى هذه المرحلة فى قيادة العالم العربى والإسلامى كذلك، ويقينها أنها الوحيدة المنشغلة بالتصدى للتوسع الإيرانى فى إطار مشروع قومى فارسى بالأساس يستثمر المذهبية، لكن المشكلة فى مدى ارتباط كل هذا التحرك بمشروع عربى حقيقى له ملامح واضحة، ورؤية سياسية تعرف مآل الخطوة قبل قطعها.

بمشاعر مفهومة بعد غزو العراق للكويت، تحوَّل صدام إلى عدو، وتلاقت الرغبة الأمريكية الخليجية فى إسقاطه، وفّر العرب بمن فيهم نظام مبارك الدعم اللوجيستى والغطاء السياسى والمعلومات الاستخبارية، لكن فجأة اكتشف العرب أن إيران هى بديل صدام الوحيد فى العراق، ولم تفلح التدخلات الخليجية مع الأطراف السنية المهمشة فى العراق بعد الانسحاب الأمريكى لوقف هذا التمدد الإيرانى.

وفى سوريا لم يستفد من التدخلات الخليجية، وعسكرة الثورة السورية، وتمويل الجماعات المقاتلة فى سوريا سوى نظام بشار الأسد، وداعميه الرئيسيين فى طهران، ومكّنت بشار من الصمود وتسويق الحرب الدائرة فى الداخل باعتبارها حربا على الإرهاب، وشكّلت ممارسات تلك الجماعات المقاتلة فى سوريا المبرر الرئيسى لهذا الزعم، وأدت إلى تحولات مباشرة فى التفهم الدولى لما يجرى فى سوريا، جعلت أشخاصا ودولا ومؤسسات تراجع مواقفها من بشار، وتعتبره جزءا من الحل بما فى ذلك الولايات المتحدة.

فى ليبيا شارك العرب فى ضرب القذافى، وفى تمويل الأطراف فى الداخل الليبى وتسليحها، دون أى مشروع عربى واضح للحل فى ليبيا، بما ترك قرارها فى يد الميليشيات المسلحة، وجعلها أحد حواضن التشدد الإرهابى، الذى تتصدره «داعش».

كل تدخل عربى أو مباركة عربية للتدخل تتنهى بتسليم المنطقة أكثر إلى خصم إقليمى أو محلى مناهض للمشروع العربى القومى، وفى الوقت نفسها مزعج ومهدد للأطراف العربية الرئيسية، وفى القلب منها السعودية.

كيف يعاد إنتاج ذلك الآن فى اليمن؟

تَعرِف بالقطع أن فشل الحملة العسكرية «عاصفة الحزم» فى تحقيق نتائج عسكرية وسياسية لصالح التحالف العربى يعنى ببساطة تسليم اليمن للتحالف الحوثى المناهض للسعودية والأقرب لإيران، وفتح مسرح جديد لتمدد النفوذ الإيرانى سياسيا، يضاف إلى المسارح فى العراق وسوريا ولبنان، الذى صارت طهران فيها رقما صعبا لا يمكن إلغاؤه.

لكن فى حالة الانتصار كيف ستتغيَّر الأوضاع فى اليمن؟

يعرف الخليجيون تماما أن الرئيس هادى منصور رغم «لافتة شرعيته» أهش وأضعف من أن يضمن استقرارا، وأن بديل الحوثيين هم الإخوان، وهذا التحالف الذى يضم دولا واضحة فى رفضها الإخوان، ودولا تعتبر الإخوان تهديدا لبنية مجتمعاتها من الداخل أخطر من التهديد الخارجى، هل مصر إذن مستعدة لخوض حرب هدفها تمكين الإخوان من اليمن؟ ومع الإمارات والسعودية ذاتها؟ قد تكون المملكة فى عهدها الجديد أقل توجسًا من الجماعة، لكنها نفسها كانت يوما أقل توجسًا أيضًا من «داعش»، وربما يتلاقى السعوديون والإخوان فى بناء مشروع سنّى فى مواجهة مشروع شيعى، هو قومى فارسى بالأساسى.

إذن لا مشروع عربى للحرب، مثلما لم يكن هناك مشروع عربى واحد وموحد ومستشرف للمستقبل فى العراق وسوريا وليبيا ولبنان كذلك.

كل تحرك خليجى فى ملف ينتهى بتسليم مفاتيح الملف للخصوم، هذه حقيقة الواقع أمامنا، وحتى يمكن تجنب ذلك من جديد، لا بد من ربط هذه الحركة وتلك التدخلات العسكرية بمشروع عربى واضح ومعلَن، ينطلق من إطار قومى وليس طائفيا، ويستجيب للمصالح المشتركة بين أطرافه، ويعرف إجابة ماذا بعد؟ قبل التحرك خطوة إلى الأمام.. ماذا بعد بشار؟ وماذا بعد «تحرير» اليمن من قبضة الحوثى؟

دون اتفاق على ذلك سنظل كعرب نحارب لتمكين الخصوم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف