لم أهتمّ كثيرًا بالأرقام التى وردت فى الأخبار الأخيرة عن خسائر البورصة، ولم أنشغل بحجم المبالغ الضخمة التى تدخل فى خانة المليارات، فالبورصة بالنسبة إلىَّ ليست هى الاقتصاد الواقعى الذى أنشغل به، لأنها مجرد مؤشر يدل على كثير من أحوال المجتمع السياسية والاقتصادية والأمنية أيضًا.

لذلك فإن السؤال الذى شغلنى هذه المرة هو: لماذا تخسر البورصة فى هذه الأيام المباركة؟ فقد عبرنا حاجز المؤتمر الاقتصادى بنجاح عظيم، وظلت الصحف تسرد لأيام عدة قصص الإبهار والقوة وتبالغ فى حجم المبالغ والاستثمارات التى حصلت عليها مصر بعد أن بدأت تستيقظ، وحققنا النجاح نفسه وأكثر فى القمة العربية، وبدأت أولى خطوات تشكيل قوة الدفاع العربى المشترك، ومواجهة الأزمات الإقليمية فى اليمن وليبيا وسوريا وبقية المنطقة، حيث توصلنا إلى اتفاق إطارى مع إثيوبيا لإدارة سد النهضة دون تأثيرات سلبية على مصر والسودان، وأجبرنا أوباما على إعادة المعونات العسكرية حتى عام 2018، وفعلنا الكثير والكثير!

لكننا رغم كل هذه الإنجازات «الكلامية» نعود لنتذكر السؤال:

ولماذا تخسر البورصة؟

الحقيقة أننى لم أكن يومًا مهتمًّا بالبورصة، ولن أكون، لكننى مهتمّ بالمنطق، وبالعقل، وبالجدية، والصراحة.

والحقيقة أيضا أننى لا أجد فى حياتنا السياسية واليومية أثرا واضحا لهذه القيم التى أهتم بها، وخفت أن أكون جاهلا أو بليد الإحساس، فاتصلت بصديقى العزيز عمرو مصطفى كامل، وهو أحد الخبراء المتميزين فى مجال البورصة وأسواق المال، وسألته: هىَّ البورصة بتخسر ليه يا عمرو؟

ضحك عمرو طويلا، حتى تصورت أنه يسخر من جهلى، فقلت له: أنا باسأل بجد.

فقال: عشان كده باضحك، لأن مافيش حاجة بجد بتحصل الأيام دى، حتى فى البورصة.

هرشت فى جبهتى، وأنا أقول له: مش فاهم، لكن ممكن أسأل بطريقة تانية وخدنى على قد عقلى واحدة واحدة: هل هناك علاقة بين «عاصفة الحزم» وخسائر بورصتنا إحنا بالذات من دون بقية الحلفاء؟

- قال عمرو: مافيش أى علاقة مباشرة.

* هل هناك علاقة بين نبوءة توفيق عكاشة عن انهيار عرش السعودية والسيسى معًا فى 5 مايو، وبين خسائر البورصة؟

- عاد عمرو للضحك، وقال: مافيش أى علاقة مباشرة.

* هل الإخوان لهم علاقة بهذه الخسائر؟

- مافيش أى علاقة مباشرة.

* هل هناك علاقة للبنك المركزى أو الحكومة أو موضوع الـ100 دولار؟

- مافيش أى علاقة مباشرة.

* هل البورصة اتجننت ويئست من أحوالنا وقررت الانتحار؟

- احتمال.

* يعنى الجنون والانتحار أقرب إلى المنطق من كل الأسباب السياسية والاقتصادية والأمنية؟

- قال عمرو دون أن يضحك هذه المرة: فعلا، البورصة تبحث عن منطق، ولأنه غير موجود، فهى مثل كل شىء فى حياتنا تتصرف بعشوائية، ربما يكون هناك فقدان للثقة غير معلَن فى مدى تطور الاقتصاد المصرى، وبالتالى فإن عددا كبيرا من رجال المال يبيعون و«يسيّلون» أموالهم لتغيير أنشطتهم، أو يفكرون فى الاتجاه إلى سوق العقارات والبناء، لأنه المجال المضمون فى مصر خلال الفترة المقبلة، على عكس بقية المجالات، فقناة السويس الجديدة امتصت الكثير من الأموال، لكنها لم تبدأ العمل، والـ150 مليارا التى تحدث البعض عنها فى المؤتمر الاقتصادى لم تظهر، ولم يظهر لها أى رد فعل إيجابى فى السوق، وربما يكون هذا المبلغ مجرد «رقم إعلامى» لا يزيد فى حقيقته على 50 مليارا، وبالتالى فإننا أمام اقتصاد شكلى ليس له مردود واقعى فى التعاملات المالية، وبناء عليه فإن خسائر البورصة ليست لها علاقة مباشرة بعامل واحد من العوامل التقليدية، وليست بعيدة أيضا عن كل هذه العوامل مجتمعة، وأعتقد أن هذا هو سبب الحالة النفسية التى أدت إلى خسائر مالية.

* يعنى البورصة عاوزة علاج نفسى أولا؟

- آه.

* وأنا كمان!