لابد أن صوره المنشورة في الصحف قد لفتت انتباه الكثيرين كما لفتت انتباهي وجعلتني شغوفاً بمتابعة دقائق قصته.. إنه الطفل زياد حسن قناوي- 3 سنوات- الذي برأته محكمة مستأنف مدينة نصر من تهمتي السرقة ومقاومة السلطات.. بعد أن كان قد عوقب بالحبس سنة عن كل تهمة من التهمتين.
أطلقت الصحف علي زياد اسم "متهم الببرونة" منذ أن نشرت صورته لأول مرة وتبين أنه لا يدرك ما يدور حوله.. وقد اشتهر بكثرة قضاياه.. كما اشتهر بالطريقة الدرامية التي يظهر بها أمام هيئة المحكمة محمولاً علي كتف محاميه.. وهي المرة الأولي التي نشهد فيها مثل هذه الصورة العجيبة في حياتنا.. لا أدري ماذا كانت مشاعر القضاة.. لكنهم بالتأكيد صدموا بالمفاجأة.
وقد برأته المحكمة في قضية أخري تضمنت نفس الاتهامات.. السرقة ومقاومة السلطات.. لكنه مازال مطارداً بقضيتين أخريين حملتا نفس التهمتين وعوقب فيهما غيابياً بالحبس سنة عن كل قضية.
لكن.. ما هي قصة زياد وقضاياه؟!
تقول الأخبار إن والد الطفل اعتاد تسجيل سياراته النقل وجميع المعدات التي تعمل بالمحاجر باسماء أولاده عقب مولد كل واحد منهم.. من قبيل التفاؤل وطلب الرزق.. وبالتالي حينما تستعلم النيابة عن مالك إحدي السيارات عند ارتكابها أية مخالفة لا تسأل عن عمره.. ولما كانت هناك عدة اتهامات لسائق السيارة المسجلة باسم "زياد" فقد صدر الأمر بالقبض عليه ثم الحكم بحبسه غيابياً.. وكان من بين التهم السرقة ومقاومة السلطات.
المشكلة كما هو واضح أن أوراق القضايا تنتقل من مكتب لآخر ومن جهة لأخري.. دون أن يهتم أحد بمناظرة المتهم أو سؤاله.. أو حتي مجرد رؤيته.. ثم إن الجهات المنوط بها إجراء التحريات في مثل هذه القضايا لا تكلف نفسها عناء البحث والتحري لتوضيح الصورة من كل جوانبها أمام النيابة.. وتسلك الطريق السهل في تسديد الخانات وتقفيل الملفات.. وقد يلعب المحامون أيضاً دوراً في ذلك لتعتيم المشهد.. ومن هنا تظهر المفاجأة المدوية التي شهدناها في هذه القضية وفي قضايا أخري كثيرة من قبل.
وقد كشف محامي الدفاع عن زياد أن الطفل يواجه اتهامات في 12 قضية أخري وأحكاماً بالسجن 4 سنوات بعد أن حررت إدارة المحاجر محاضر ضده باعتباره المسجل مالكاً للسيارة.
والآن.. تري ماذا فعلنا في هذا الطفل المسكين الذي جرحت طفولته.. وقتلت براءته.. والله وحده يعلم ماذا ترسب في عقله وفي ضميره تجاه وطنه وتجاه القضاء بعد أن مر بهذه التجارب المريرة؟!
نعم.. لقد انتهت القضية بالبراءة.. وسوف تنتهي القضايا الأخري بالبراءة أيضاً.. فقد دفع المحامي ببطلان أمر إحالة القضية للمحكمة لامتناع المسئولية الجنائية عن المتهم.. الطفل الصغير الذي لا يدرك ولا يميز.. وليس منطقياً أنه ارتكب الجريمة التي يحاكم بسببها أو أية جريمة أخري.. وفرح والد الطفل بالبراءة.. وتمني انتهاء بقية المحاكمات.. لكن اللعبة- فيما أري- تنطوي علي انتهازية بغيضة سيدفع الطفل ثمنها من براءته واستقراره النفسي والوجداني.
أرجو أن يراجع والد الطفل نفسه.. ولا يضعه في التهلكة فيتحمل أوزار مخالفات السيارات وهو ضامن له البراءة لامتناع المسئولية الجنائية عنه.. وأرجو أن تهتم جهات البحث والتحري بتقصي الحقائق ولا شئ غير الحقائق.. حتي تقدم للمجتمع أبناء أسوياء غير مكسورين من صغرهم ولا ناقمين ولا معتادين علي خرق القانون والتحايل عليه.