المساء
مؤمن الهباء
شهادة - بطل معركة الاستقلال
لا يمكن أبدا أن تمحي صورته من ذاكرتي وهو يرتدي الوشاح الأخضر المهيب وسط كوكبة من القضاة الأسود الذين وقفوا في صفوف متراصة أمام دار القضاء العالي عام 2005 دفاعا عن استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات.
كان المشهد جديدا علينا.. لكنه كان مبهجاً ومؤشراً علي أن مصر تتغير من الداخل.. وكان منظر القضاة العظام مفعماً بالجلالة والمهابة.. وكان هو أوسطهم كالأسد الجسور.. فارع الطول.. جاد الملامح.. حاد النظرات. صاحب كاريزما هادئة تبعث علي الاطمئنان.
ذلكم هو المستشار زكريا عبدالعزيز الرئيس بالاستئناف ورئيس نادي القضاة السابق وبطل معركة استقلال القضاة عام 2005 الذي يحاكم الآن بناء علي دعوي تطالب بإحالته إلي الصلاحية بتهمة الاشتغال بالسياسة والتحريض علي اقتحام مبني أمن ا لدولة بمدينة نصر في مارس ..2011 وهي التهمة التي نفاها تماما مؤكدا أنه هو من منع الشباب من اقتحام المبني.. وهناك كثيرون من شباب الثورة شهدوا بذلك..كما أن مبني أمن الدولة بمدينة نصر هو المبني الوحيد الذي لم يحرق لأنه كان أمامه ومنع اقتحامه.
وما دامت القضية بين يدي القضاء فلا يجوز لأحد الخوض في تفاصيلها.. وسوف يظهر الحق قويا ناصعا في نهاية المطاف بلا شك.. لكن هذا الاتهام دفع المناضل الشريف المهندس يحيي حسين عبدالهادي صاحب المواقف الوطنية التاريخية في مقاومة الفساد والمدافع الصلب عن حق الشعب في القطاع العام لأن يكتب مقالا بديعا في "الأهرام" يوم السبت الماضي يشيد فيه بمناقب المستشار زكريا عبدالعزيز الذي يجسد صورة القاضي النزيه النظيف العصامي الذي تقرأ عنه في كتب الحكايات القديمة.
ليس لي سابق معرفة بالسيدين الشريفين.. المستشار زكريا عبدالعزيز والمهندس يحيي حسين عبدالهادي.. ولا أدعي أنني التقيت بأحدهما أو كليهما ولو عرضا.. لكنني ــ أقسم بالله ــ لم أستطع أن أحبس دموعي وأنا أقرأ شهادة المهندس يحيي عن السيد المستشار.. وهي شهادة تنطق بالصدق من أول سطورها.. ربما لأنني ظننت أن مثل هذا النموذج انقرض من الحياة.. وسبحان الله العظيم الذي هيأ لنا من يطمئننا إلي أن مصر مازالت عامرة بالجواهر الثمينة التي يقف أمامها التاريخ تعظيما وإجلالا.
يقول المهندس يحيي حسين: "لا يعلم إلا قليل من المقربين إن هذا الرجل الشريف كان يقاتل عنا وعن استقلال القضاء ونزاهته وهو يكتم ألمه وهمه الشخصي.. رحلت شريكة حياته عام 1999 ولم يتزوج بعدها وتفرغ لوظيفته وتربية أبنائه الثلاثة وكانت أكبرهم ا لشيماء دون العاشرة.. الشيماء تخرجت في كلية الحقوق دفعة 2010 بتقدير جيد ولم يتم تعيينها حتي الآن في أي هيئة قضائية رغم انطباق كافة الشروط عليها..ولم يتدخل أبوها في طلب تعيينها.. وعلياء بكالوريوس زراعة دفعة 2013 ولم يتم تعيينها حتي الآن أيضا.. أما أحمد فمازال طالبا في الجامعة.. بينما يورث غيره الوظيفة لأبنائه مثني وثلاث ورباع.
هذا الأسد الشريف لايملك من حطام الدنيا إلا شقة يسكنها في شبرا من حجرتين وصالة وسيارة "لادا" قديمة وميراثا متواضعا لأولاده من أمهم التي ورثته بدورها من أمها.. ولم يراكم كغيره ثروات لا يعلم إلا الله مصدرها.
أرأيتم كيف يكون الكبير كبيرا.. أرأيتم كيف يكون القاضي عادلا نزيها قويا شامخا.. أرأيتم كيف يشهد الشريف للشريف.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف