صلاح الحفناوى
"ملهاة" الدولار.. والجنيه الملكي
أزمة الدولار الأخيرة كشفت ورقة التوت عن عورة منظومة القيم الأخلاقية وقيم الانتماء علي أرض المحروسة.. وكان المتغنون بعشق الوطن.. أول من طعن جسد الوطن الجريح ناعقين بقرب الانهيار ومشككين في كل شيء ومروجين لرسائل اليأس والقنوط.
الأزمة الوهمية كشفت أيضا عن فئة جديدة من الباحثين عن وجاهة اجتماعية زائفة بالتمسح في باشاوات وبكوات الزمن الزائل.. عبر الترويج لمحاسن العصر الملكي المجيد الذي كان مشروعه القومي محاربة الحفاء وليس التحليق في الفضاء.. والذي كان ملكه يحكم نظريا مصر والسودان وليبيا سائر أفريقيا.. رغم ان سلطاته لم تكن تتجاوز حدود قصره.. لأن السلطة الفعلية كانت للمحتل الانجليزي وصاحب الجلالة سفيره في القاهرة.
أنصار الملكية الغابرة ركبوا موجة الأزمة.. وعايرونا بأن الجنيه الملكي كان يساوي 5 دولارات.. والجنيه الثوري أصبح لا يساوي عشر دولار.. وحتي لا نستسلم لهذه السفسطة بطرح تساؤلات من نوع "كم مواطن مصري كان يملك الجنيه الملكي أو حتي يعرف شكله".. نضع أمام كل هؤلاء الحقائق التالية:
في العام 1970 كان سعر الدولار 18 قرشا.. أي أن الجنيه كان يشتري 6 دولارات إلا بضعة سنتات.. كان ذلك عندما كنا شعبا منتجا يعشق العمل ولا يعرف البلطجة ولا يجيد فنون السفسطة.
كان الدولار بلا قيمة تذكر عندما كنا نشتري التكييف من كولدير والسيارة من النصر للسيارات وأطقم الصيني والتحف الخزفية من الخزف والصيني "شيني" والفضيات من "سيجال" والمعجنات من بسكو مصر.. والحليب الطازج الذي تعلوه طبقة سميكة من القشدة من مصر للألبان.
كان الجنيه ملكا متوجا علي عرش كل العملات عندما كنا نشتري البدلة والجلابية من المحلة والحذاء من باتا والعصائر والمعلبات من قها وأدفينا.. عندما كنا نشتري الثلاجة من إيديال والبوتاجاز والتليفزيون من المصانع الحربية.
وعندما توقفت عجلة الانتاج وتمت التضحية بآلاف المصانع بعد تخريبها بفعل فاعل.. وعندما أصبحنا نعتمد بشكل مطلق في الحصول علي العملة من السياحة التي قرارها ليس في أيدينا.. وعلي تحويلات المصريين.. وعندما أصبحنا نسهر حتي الصباح في المقاهي وننام طول اليوم في مواقع العمل.. انهار الجنيه.. لأننا أصبحنا نستورد كل شيء ولا ننتج أو نصدر شيئا يذكر.. اللهم الا انتاج الرغي في الفاضي والمليان والتنظير والحديث عن الحقوق وتجاهل الواجبات.