المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. قصة الشاعر الخطير
ماذا تفعل لو وجدت نفسك في لحظة هدفاً لاتهامين خطيرين.. الأول بلاغ أمني خطير يدَّعي أنك إخواني ومتطرف وإرهابي.. والثاني بلاغ أخلاقي يدعي أنك صعلوك. يرتاد الخمارات للسكر والعربدة؟!!
هذا ــ للأسف ــ ما حدث مع الشاعر فتحي عبدالسميع. الحاصل علي جائزة الدولة التشجيعية مؤخراً.. وذلك بعد أن تم ترشيحه لمنصب مدير تحرير سلسلة "الإبداع المعاصر" التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب. التابعة لوزارة الثقافة.. ويبدو أن هناك مَن يتربص بالشاعر لمواقف سياسية. أو أحقاد شخصية. للحيلولة بينه وبين المنصب.. فاتجهت إليه سهام الطعن والتحريض من كل اتجاه بأقلام مَن يدَّعون أنهم مثقفون وكُـتَّاب.. بينما هُم في الحقيقة مجرد مخبرين لا يجيدون غير كتابة التقارير في زملائهم.
لم أتشرف بلقاء الشاعر فتحي عبدالسميع غير مرة واحدة علي ما أتذكر.. عندما كان أميناً عاماً لمؤتمر أدباء مصر. الذي عقد بالإسكندرية.. لكنني قرأت قصة التحريض عليه في "المساء" يوم الإثنين الماضي.. وفي "أخبار الأدب".. وقبل ذلك في مقال للزميلة عبلة الرويني بـ"الأخبار".. وهي قصة مثيرة للسخرية بقدر ما هي مثيرة للحزن علي ما وصل إليه حال الثقافة والمثقفين في مصر.
الذين لم تعجبهم مواقف فتحي عبدالسميع. وآراؤه. لم يناقشوه.. ولم يتناولوا ما يُكتَب بالنقد والتحليل والتمحيص.. لأن هذه مهمة ثقافية شاقة عليهم.. ولا يمتلكون أدواتها. والقدرات التي تتطلبها.. لذلك اتجهوا إلي الأسلوب الأسهل.. الذي لا يحتاج إلا لتغييب الضمير.. وقاموس بذيء من الشتائم. ومفردات الردح.. وهم بارعون جداً في هذه المهمة.. بل لعلهم لا يجيدون غيرها.
ولأن تقارير المخبرين التي يقال عنها مجازاً أنها مقالات تنطوي علي كثير من الكذب والتضليل والادعاء. فإنها تبدأ عادة بوصلة من النفاق السقيم لوزير الثقافة.. وإشعال البخور علي أعتابه.. لاستمالته ودغدغة مشاعره قبل استثارته وتحريضه.. وهي لعبة سخيفة صارت مكشوفة مثل "كيد النسا".. بعضهم وصف الوزير بأنه مقاتل شرس في معركة الاستنارة.. وبعضهم وصفه ــ أو غازله ــ بأنه مرجعية ثقافية..
أما الشاعر فتحي عبدالسميع "الهدف" فإنه عند فريق إخواني وإرهابي متطرف.. وعند الفريق الآخر من رواد "الجريون".. وتصل الملهاة ذروتها عندما يصفه أحدهم بأنه "شاعر صعيدي" وأنه "طافح من مجاري 25 يناير"!!
وعلي هذا النحو صار فتحي عبدالسميع عند ميليشيات "كيد النسا" خطراً كبيراً علي توجهات مصر الثقافية والسياسية. لمجرد أنه لا يسير مع القطيع.. ولا يقول كما يقولون.. وكأن المطلوب من كل مثقفي مصر وكُتابها أن يتحولوا إلي طبالين. وزمارين. ومداحين.. ومَن لم يفعل فهو إما إخواني ومتطرف. أو سكير يرتاد "الجريون" ليحتسي البيرة والويسكي.. وعليك أن تختار التهمة التي تناسبك.
أليست هذه أكبر إساءة لمصر.. ممن يدعون أنهم حُماتها.. وأنهم حملة صكوك الوطنية.. يمنحونها لمن يشاءون ويمنعونها عمن لا يرضون عنه؟!!
لم ينظر أحد منهم إلي فتحي عبدالسميع الشاعر المثقف.. عضو اتحاد الكتاب.. الذي مثل وطنه في مؤتمرات خارجية أكثر من مرة.. وأصدر عشرة دواوين.. فضلاً عن كتابين في البحث العلمي.. وسبق ترشيحه لجائزة الشيخ زايد.. فضلاً عن حصوله علي جائزة الدولة التشجيعية لهذا العام.. ومن حقه.. بل ومن حق كل صاحب فكر وقلم أن يكتب مؤيداً أو معارضاً.. ناصحاً أو ناقداً.. هذه أبسط قواعد الحرية.. وأبسط حقوق الإنسان.. بعيداً عن السب والشتم والتجريح.. فهل تنكر ميليشيات "كيد النسا" هذه الحرية علي أبناء مصر؟!.. هل تريد أن تعيدنا إلي الوراء صوتاً واحداً ولوناً واحداً؟!!
إلي الآن لا نعرف رد فعل وزير الثقافة. والقرار الذي اتخذه بشأن الشاعر فتحي عبدالسميع.. لكن الشواهد والضغوط التي تمارس عليه لم تترك له خياراً فيما أظن.. وسوف يتراجع إن عاجلاً أو آجلاً عن تعيينه في المنصب الذي تم ترشيحه له.. فالريح شديدة.. ولن يتركوه حتي يستجيب لهم.. وإن لم يفعل فسوف يصبح هو ــ أي الوزير ــ هدفاً للهجوم والطعن .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف