نبيل فكرى
مساء الأمل .. "مرة.. واحد سعيد"
منذ أيام وبعد نشر التقرير الدولي عن الدول الأكثر سعادة. وهي تلك التي يرضي مواطنوها عنها. بادر الأستاذ أحمد عمر نائب رئيس تحرير المساء ورئيس قسم المحافظات. وأحد أنبل وأنقي أقلامها. بإعداد ملف وتكليفات للزملاء. لإنجاز ملف عن السعادة هنا. وماذا يحول دون تحققها. ورصد أسباب "الزعل والتكشير" الذي يدفع الناس لضرب بعضهم بعضا في الشارع.
وفي جلسة اعتدناها سويًا آخر الليل بعد تجهيز الصفحات. اقترحت عليه أن أشارك في الملف بتقرير عن "واحد سعيد".. يعني واحد تقريبا بلا هموم ولا شجون.. أيا كان.. غنيا أو فقيرا أو مستوراً.. المهم إنه يكون سعيداً.. حتي لو كان "مش داري" أو به مس من جنون.. المهم أن نصل إلي هذا الكنز. وهذا "الجين" النادر الذي كاد ينقرض من المحروسة.
تحمس الأستاذ الزميل أحمد عمر للفكرة. ورآها مهمة ومختلفة. واتفقنا علي أن أشرع فيها. وأجهزها للملف. وبدوري لم أجد الأمر مرهقًا ولا شائكا. وملأني اليقين أنني سأعثر علي هذا السعيد "المحظوظ ابن المحظوظة".. إن لم يكن في الشارع. فبين الأصدقاء علي المقهي. والذين لا يتوقفون عن الضحك "عمال علي بطال".. ظننت الأمر هينا. رغم سحابات الريب التي كانت تلقي في وجهي أحيانا بالسؤال: طب اسأل نفسك.
في عز الجلسة علي المقهي. وفي عز الضحك بادرت صديقا: أنت سعيد؟.. وبدا السؤال وكأنني أحمل إليه نبأ سيئاً. فتوقف الضحك وساد الصمت. ولا أدري لماذا. وبعد تفكير لم يطل. قال: طبعا لا. وهكذا أجاب الثاني والثالث والبقية. وانفضت الجلسة بسبب "سيرة السعادة".. الله يخرب بيتها.. ماكنا كويسيين.. ليه نكدت عليهم.
من بين هؤلاء مهندسون وأستاذ بالجامعة وطبيب ومدرس تربية رياضية وآخر بإحدي شركات التأمين.. يبدون للوهلة الأولي بلا مشاكل. وتبدو أمورهم المادية بخير.. إذن لماذا غابت عنهم السعادة.
قلت "مفيش مشكلة"..ربما زوجاتهم "منكدة عليهم".. ربما خسارة أحدهم "عشرة طاولة" أثرت علي المزاج العام.. ربما أصوات السيارات والضجيج لم يمكنهم من سماع السؤال جيدا. فليكن ملاذي هو الشارع.. الناس الصابرة الطيبة البسيطة.. تلك التي تتدثر بالستر وتتذرع بالرضا. وبدأت علي استحياء أسأل. بائعا أشتري منه أو سائق تاكسي. لكن وبال ذلك كان وخيما فقد بدأ الناس ينظرون لي وكأنني مجنون. ولا مانع من تعليقات لم ترتق بعد إلي الشتائم. انت مش من البلد دي يا عم انت ولا إيه.. باين عليك فاضي.
واحد فقط أخبرني أنه سعيد.. كان سائق تاكسي. لكنه لم يقل لماذا.. تمتم كثيرا وقبل يديه من الجانبين.. خلط بين السعادة وأشياء أخري.. المهم أنه سعيد. غير انه رفض ان يكون بطل القصة. فوقت أن أخبرته بالموضوع وانه سيكون محور قصة صحفية. انقلب وجهه. وكاد يرميني من التاكسي. وقال: الله يسترك.. احنا مش ناقصين. ولا صحافة ولا سعادة.. خلينا في حالنا.
مؤكد أن الشارع تغير. وأن مساحة البهجة تضيق شيئاً فشيئا. وهو أمر لا يتحمله رئيس ولا حكومة. وإنما نتحمل مسئوليته جميعا. والمؤكد أيضا وبحسب قناعاتي ـ علي الأقل ـ أن ما يحدث مسئولية الفساد والمفسدين. فجميعنا لدينا القدرة علي التحمل. وبإمكاننا ان نسخر حتي من مشاكلنا. ولكن بشرط ألا يكون هناك من يسرقنا ويسرق حتي أحلامنا.
كلما زاد المفسدون.. ضاقت مساحة الرضا والفرحة.. العلاقة عكسية فهم يسحبون البساط والروح أيضا وخفة الدم. ويزداد الأمر سوءاً حينما نراهم حولنا يخرجون لنا ألسنتهم. ويرتعون بلا حسيب أو رقيب.
إن كنا جادين في سعينا للخروج من النفق الضيق. فلا سبيل أمامنا جميعا إلا بالتصدي لكل فاسد حتي لا يسدوا علينا أبواب الشمس والأمل.. إن كنا ننشد السعادة فعلينا أن نبني بلدا تتكافأ فيه الفرص. ويحصل كل صاحب حق علي حقه.. إن كنا نطلب الرضا. فلابد أن نرضي عن كل ما حولنا.
** ما قبل الصباح:
ـ السعادة.. أسرع ما يأتيك.. وأسرع ما يتخلي عنك.