المساء
محمد جبريل
ع البحري .. تديّن المصريين
الشعب المصري من أشد شعوب العالم محافظة علي تقاليده وعاداته. فضلاً عن المعتقدات التي لم يطرأ عليها تغير ملموس. مرت عليه أدوار مختلفة من التاريخ. غير لغته ودينه عدة مرات. لكن الغزوات المتعاقبة لم تستطع أن تغير شيئاً من تراثه في المعتقدات التي صنعتها الأجيال. وتوارثتها منذ استوطنت الوادي. ربما استطاعت تلك الغزوات أن تحدث تأثيراً ما في المدن الكبيرة التي استوطن فيها الآلاف من ابناء الجالية الأجنبية. بالإضافة إلي استقطابها للعناصر المتعلمة. ولكن ظلت آلاف القري والدساكر والنجوع والغالبية من الشعب المصري التي تفرض الأمية سيطرتها عليها. علي مصريتها الثابتة. ومعتقداتها القديمة. فالمجتمع المصري منذ ثلاثة آلاف سنة- أعني مصر الفرعونية- الذي كان يؤمن ببعض المعتقدات. هو نفسه مجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولي. وربما إلي أيامنا الحاضرة. آمن بالمسيحية. وآمن بالإسلام. لكنه أضفي علي ممارساته لشعائر المسيحية والإسلام الكثير من الطقوس الاسطورية. وتداخلت معتقداته القديمة- بصورة وبأخري- مع عقيدته السماوية. بل أصبحت تلك المعتقدات تقف علي أرضية من المعتقد الديني السماوي تتيح لها البقاء والحياة والاستمرار.
الإيمان بالله والقدر والآخرة والثواب والعقاب خصائص أساسية في معتقدات الإنسان المصري. وهي تستند- بصورة أساسية- علي القرآن الكريم والكتاب المقدس والأحاديث النبوية ودروس علماء الدين. ويتداخل مع هذا الإيمان تراث آلاف السنين من الإيمان بظواهر الطبيعة. وبالمعتقدات الأسطورية.
لقد اتجهت مصر إلي عقيدة التوحيد من قبل أن تعرف الأديان السماوية. وحين عرفت المسيحية. ثم الإسلام من بعد. فإنها كانت قد عرفت الخلود والبعث والحساب والعقاب والجنة والنار. والتوحيد أيضاً. ولعل الخاصية التي يكاد ينفرد بها المجتمع المصري أن احتفالاته- ذات الأصل الديني- تشمل مسلميه ومسيحييه علي السواء. ثمة عيد الربيع "شم النسيم" ووفاء النيل. وليلة النقطة. كذلك فإن المصريين يحتلفون بموالد الأولياء بصرف النظر عن الانتماء الديني للولي. مار جرجس وهو قديس مسيحي. وأحمد البدوي وهو مسلم. وسانت تريزا وهي قديسة مسيحية. ويجد المسلمون- في أماكن دينية مسيحية- وسائل للبرء من العلل. أو لدرء الحسد. أو للشفاء من العقم. وغيرها. كذلك يجد المسيحيون في الأماكن الدينية للمسلمين ما يعينهم علي الخروج من أزمات حياتهم.
وتاريخياً. فقد أصهر الرسول صلي الله عليه وسلم إلي مسيحي مصر. وأنجب من ماريا القبطية ابنه إبراهيم. وكان أبورافع- القبطي المصري- من بين الصحابة المقربين للرسول. وأشهر وأيسر قراءة من القرآن الكريم قراءة ورش. وهو قبطي مصري. وفي مولد أبي الحجاج الأقصري مشاهد ودلائل ومراسيم تؤكد وحدة التاريخ المصري. ووحدة مشاعر الدين والتدين عند ابناء مصر من الأقباط والمسلمين. وفي هذا المولد تلتقي مصر القديمة- بعاداتها وطقوسها- بمصر الإسلامية. ومصر الحاضرة. والكلام للدكتور هيكل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف