بسيونى الحلوانى
لوجه الله: الحكومة.. ومافيا الحج "البلوشي"
رغم إيماني الكامل بأن الحكومة بكل أجهزتها "لا تقرأ ولا تسمع ولا تشاهد" ولا تعير اهتماماً لما ينشر أو يذاع أو يعرض في وسائل الإعلام من نصائح ووصايا واقتراحات وفتاوي علي ألسنة الخبراء والمختصين في مختلف المجالات انطلاقاً من أنها الأدري والأعلم ورجالها هم الأكثر خبرة ومعرفة وتطبيقاً للعبارة الشهيرة "هو انتم تعرفوا أكثر من الحكومة" إلا انني في مثل هذا الوقت من كل عام اذكر المسئولين في الحكومة بفتاوي كبار العلماء التي تؤكد أن الدولة المدينة لا يجوز لها أن ترسل موظفيها لأداء مناسك الحج علي نفقة الخزانة العامة.
الفتوي أطلقها منذ أكثر من 15 عاماً شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي وخرج الرجل وقتها في كل وسائل الإعلام ليؤكد أن الحج علي نفقة الدولة المدينة لا يجوز وأصر علي السفر لأداء مناسك الحج علي نفقته الخاصة واعتذر عن قبول دعوة من السلطات السعودية لأداء المناسك كضيف من كبار ضيوفها.
وطبعاً الدولة المصرية ليست مدينة فقط. ولا تحاصرها الديون الداخلية والخارجية فحسب. وأحوالها الاقتصادية "الزفت" لا تدفعها إلي قبول مساعدات من الأشقاء العرب لبث الروح في الاقتصاد المصري. بل تسعي الدولة جاهدة إلي الحصول علي قروض جديدة من صندوق النقد الدولي وهي مطالبة بسداد ملياري دولار لليبيا بعد شهور حصل عليها مرسي خلال السنة المشئومة التي حكمت فيها جماعته مصر ونفقات الحج كلها بالدولار والريالات السعودي والبنك المركزي خاوي الوفاض نتيجة مؤامرات الإخوان ونتيجة الفشل الذريع في إدارة موارده المحدودة وما تبقي في خزينته من العملات الأجنبية.
* * *
المزعج في الأمر أن مافيا الحج "البلوشي" في مصر قد ماتت ضمائرهم وخربت ذممهم ولم يعد لديهم احساس بهموم الوطن ومشكلاته وأزماته وكل ما يهمهم هو السفر ليس من أجل أداء عبادات تقربهم من خالقهم وتمحو ذنوبهم الكثيرة والمتراكمة والمتواصلة. ولكنهم يسافرون كل عام أو كل عدة أعوام من أجل البدلات المجزية التي يحصلون عليها لكي يعودوا من رحلتهم "الإيمانية" محملين بكل ما لذ وطاب من هدايا لأسرهم وأقاربهم ومعهم كبار الموظفين الذين سمحوا لهم بالسفر لسرقة ما يمكن سرقته من المال العام.
وأشخاص ماتت ضمائرهم ــ من نوعية هؤلاء ــ لم تعد تجدي معهم نصائح وتوجيهات وفتاوي ومواعظ دينية. ولذلك لا ينبغي أن تقف الحكومة تجاه اهدار المال العام في "الحج البلوشي" متفرجة أو ناصحة وراجية. بل ينبغي أن يكون لرئيس الوزراء قرار واضح وصريح بعدم سفر موظف سبق سفره في رفقة بعثة حج تحت أي مسمي. فرحلة الحج لا تحتاج خبراء يجيدون لغات لكي يسافر نوعية معينة كل عام تحت بند الخبرة كما أن اعطاء الفرصة لآخرين لم يسبق لهم السفر وأداء فريضة الحج هو العدل الذي ينبغي أن تنتهجه كل الوزارات وتصر علي تطبيقه كل مؤسسات الدولة.
ينبغي أن تفوت الدولة الفرصة علي هؤلاء الذين يتعاملون مع رحلة الحج التعبدية بمنطق الرحلات الترفيهية ويبذلون كل جهودهم لكي يسافروا ويستمعوا بحج مريح ويحصلون علي بدلات سفر مجزية تحت مسميات غريبة يدخل بعضها في باب النصب والاحتيال حيث يهدرون أموالاً طائلة بالعملات الأجنبية في وقت تحتاج البلاد فيه إلي توفير كل دولار.
الغريب والعجيب أن حيل هواة "الحج" البلوشي" اصبحت مكشوفة. وهم يبدعون في التحايل لكي يسافروا سنوياً.. والغريب والعجيب ــ أيضا ــ أن بعضهم علماء ودعاة يعظون الناس ويوضحون لهم فوق المنابر وفي البرامج الفضائية وفي الفتاوي الدينية أن الحج غير مطلوب من المسلم القادر سوي مرة واحدة في العمر وأن المسلم ينبغي أن يحج من مال حلال. وأن أداء الفريضة من مال فيه شبهة لا تتوافر له مقومات القبول عند الله.. لكن عندما يتعلق الأمر بهم فالحرام يصبح حلالاً ومشروعاً!!
* * *
كل علماء الإسلام الثقات أكدوا أن "الحج البلوشي" لا تتوافر له ضمانات القبول عند الله عزوجل ومع ذلك لا تتحرك ضمائر هؤلاء ويكفوا عن هذه الرحلة السنوية التي تكلف ميزانية الدولة مئات الملايين لأن السفر في نظر هؤلاء كله فوائد فهم سيحصلون علي بدلات وسيتجولون في الأسواق السعودية وسيعودن حتما بمغانم مادية هي الهدف الأهم بالنسبة لهم وقبول مناسك الحج والثواب عليها يتركونه لله عزوجل.
والمشكلة هنا ليست في ضمائر هؤلاء الذين يستحلون لأنفسهم كل شيء بل المشكلة في الحكومة التي تسمح لهم بذلك دون رقيب أو حسيب مع أن دعوات ترشيد رحلة الحج انطلقت علي لسان علماء مخلصين منذ سنوات فهل يفعلها رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل؟