بدأت الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها الوطن الآن منذ حوالي ثلاث شهور تقريبا بإرهاصات ومؤشرات من المفترض أن كانت لتلفت نظر النظام، ولكن فيما يبدو أن ذلك لم يحدث، فلم يصرح أحدهم حتى الآن مثلا أنها مؤامرة لإفشال الإقتصاد المصري بمساعدة أهل الشر!.
المدهش والمثير لـ”المسخرة الغامقة” لمتابع هذا المشهد سيلحظ دون عناء حالة الثبات النفسي الذي يتمتع بممارسته النظام، وكأن شيئا لم يكن ـ ولا كلمة ـ لم يعترفوا بخطأهم ولم يعتذر منهم أحد ولم يقدموا رؤية!.
فقط، وبعد اجتماع المجموعة الاقتصادية بالرئيس منذ أيام قليلة أقروا بضرورة و حتمية مساعدة صندوق النقد الدولي للاقتصاد المصري، وعلى القاهرة أن تقديم برنامج اقتصادي مُحكم “مُحكم” يضعه غالبا خبراء اقتصاد وساسه يضمن للصندوق دفعات نقوده!.
فما وصل إليه المواطن المصري البسيط لا يُفسر بأي حال من الأحوال إلا بتفسير واحد منطقي، ولا يحتاج لخبراء علوم سياسية واقتصاد لفك شفرات “أزمة الاقتصاد المصري” وقياس درجة حرارة المواطن، والتأكد أنها وصلت للغليان، ومن ثم إبداء الآراء الشافية وتقديم روشتة اقتصادية عاجلة ومنقذة. الأمر أبسط من ذلك بكثير، وفي سياقه الشعبي الذي يسمح لأي فرد الحديث عن الأزمات وتشخيصها ووضع خرائط اقتصادية عديدة لها وبدائل للخروج منها وبالأحرى إنقاذ الموقف قبل أن يبدأ.. نعم مصر بها آلاف المصريين الشباب “المُعطل”.
واقع يفرض سؤال مُلح ودمه ثقيل للغاية وهو.. كيف تُدار مصر؟
سؤال رغم ضخامته هو الآخر لا يحتاج لأحدهم الإجابة عليه أيضا، لأنه وبمنتهى البساطة خرج من سياق السياسة العليا للبلاد، وأصبح السؤال اليومي لأي مواطن مصري متورط في تحصيل احتياجاته اليومية البسيطة والبسيطة جدا، لذلك أستطيع أن أقول أن مصر تدار “بالبركة” دون رؤية سياسية واضحة وواقعية وفاعلة أو حتى ضبابية يحاول النظام ويعمل جاهدا أن يجعلها صالحة للاستخدام، ودون أيضا كفاءات تعمل بفلسفة غير تقليدية مبدعة تناسب إشكالياتنا المتراكمة ذات الطبيعة الخاصة والمعقدة.
لدرجة أن تصل المفارقة فيها إلى تجهيز برنامج اقتصادي يضمن به النظام المصري حقوق صندوق النقد الدولي المادية “وهذا حقه” ليوافق على الاقتراض الذي تسعى الحكومة المصرية إلى الحصول عليه كخطوة عاجلة لإنقاذ الاقتصاد وضبط سعر الدولار المتأرجح، وسوف يضعه “بطبيعة الحال” خبراء المجموعة الاقتصادية في حكومة شريف اسماعيل.. فلماذا لم يضع هؤلاء الخبراء برامج اقتصادية تضمن للشعب المصري لقمة عيشه من البداية؟!.. “سؤال رقم 1”
وإن كان الحل السحري والوحيد هو اللجوء لصندوق النقد الدولي للاقتراض في المرحلة الاقتصادية الأسوأ خلال رئاسة “السيسي” حوالي 21 مليار دولار سوف تسدد فوائدها الأجيال القادمة لا مُحال. فكيف يتم تكليف نفس المجموعة الاقتصادية ـ وهي السبب الرئيسي لما نحن نعاني منه الآن وفي المستقبل ـ للتفاوض مع لجنة الصندوق؟؟!!.. “سؤال رقم 2”
ما يؤكد أننا نعيش مرحلة تصنف أنها مرحلة “ما بعد الفشل” بامتياز، والحديث عن البرلمان “في ضوء ما يحدث” أنه يعمل للصالح الشعبي محض نصب وأكل عيش سياسي. رغم وجود بعض أعضاء البرلمان أصحاب المواقف والنزعات الشعبية، لكن حكومة “إسماعيل” لا تجد من يحاسبها ويستجوبها، في البرلمان المصري المنتظر بعد ثورتين برئاسة الدكتور على عبد العال “بحذف علامة التعجب”.
ولكن السؤال الأشمل هو.. لماذا يدفعنا النظام والظروف للشعور بالإحباط ويرسخ داخلنا فكرة أن الثورات لا تنتج شيئا؟!. وأن ما حلمنا به لوطننا كان كابوسا؟!!.