في كل مرة يبشرنا فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتحسن أحوال البلاد والعباد، وجريان أنهار اللبن والعسل في شوارع المحروسة، بفضل حكمته التي اعترف بها “زعماء كل الدنيا من خبراء مخابرات وإعلاميين وكبار الفلاسفة”، أتحسس قلبي، خوفا من السواد الكالح الذي سيهبط علينا.
في الندوة التثقيفية العشرين، التي نظمتها القوات المسلحة، تحت عنوان “أكتوبر الإرادة والتحدي”، مطلع نوفمبر الماضي وعد السيسي بأنهاء أزمة الأسعار، قائلا “يمكن تكون مشكلة الدولار خلال الشهور الماضية ساهمت في ارتفاع أسعار بعض السلع، خاصة الأساسية، لكن إن شاء الله خلال الفترة القادمة سيتم توفير السلع بنفقات مخفضة”، مضيفا “لن نبيع الوهم للشعب وأنا واحد منكم جبتوه وقلتوله خلي بالك وأنا بخلي بالي”.
بعد تصريح “خلي بالك” بأقل من شهر، وفي زيارة لمحافظة بورسعيد، عاد السيسي ليجدد العهد مع الشعب ويعده مرة أخرى بتقليل الأسعار خلال شهر ديسمبر 2015، قائلا :«حريصون على أنه خلال شهر 12 يحصل تقليل لأسعار السلع»، وأضاف: «أنجزنا اللي ما حدش يعمله فى 10 سنين.. وأتحدى».
الأيام التالية لخطاب “الإنجاز والتحدي” أثبتت فعلا أنه أنجز ما لم ينجزه أحد خلال 10 سنوات بالفعل، فالرجل أتى بما لم يأت به الأولون.. فمعدل التضخم وصل في شهر مايو الماضي إلى 12.9 % مقارنة بشهر مايو 2015، وتجاوز عدد المعدمين في مصر حاجز الربع، ووصل إلى أن 27.8% من السكان لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وفقا للجهاز المركزي للأحصاء، وتهاوى الجنيه أمام الدولار ليصل الأخضر بفضل الحكمة الرئاسية إلى 13 جنيها في سوق الصرف السوداء، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل غير مسبوق.
أما الدين الخارجي، فارتفع بمعدل 34.1% ليصل إلى 53.4 مليار دولار في مارس الماضي، مقارنة بـ39.8 مليار دولار في مارس 2015، فيما ارتفع معدل الدين المحلي بنسبة 23% ليصل إلى 2.496 تريليون جنيه مقارنة بـ2.016 تريليون في العام الذي يسبقه، وفقا لبيان البنك المركزي الصادر مطلع يونيو الماضي، ومن المفترض أن يرتفع الدين الخارجي مرة أخرى خلال العام بعد الاتفاق على حزمة القروض الجديدة.
الأرقام أعلاه أفضل ترجمة لما بشرنا به السيسي خلال العامين الماضيين، فالرجل قال في أكثر من مناسبة “مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا.. بعد سنتين هتشوفوا مصر دي هتبقى إيه.. بكرة هتشوفوا العجب”.. فعلا شوفنا اللي عمرنا ما شفناه، وهنشوف لسة، مادامت سياسات نظامه مستمرة بنفس العشوائية.
في لقاء “تسخين القعدة”، الذي تحدث فيه السيسي مع شباب البرنامج الرئاسي “الطبعة الجديدة لجمعية شباب المستقبل”، قال الرئيس بثقة تقترب من ثقة “الأسطورة”: بفضل الله الناس اللي مخزنة الدولار هتجري بكرة على البنوك تفكه”، وأضاف خلال نفس اللقاء “الأيام المقبلة ستشهد الكثير من الأخبار الجيدة للشعب المصري”، مشيرا إلى أنه ستكون هناك “معالجة للدعم دون أن تطال محدودي الدخل.
وبنفس مستوى التفاؤل الذي استقبلت به بشائر الرئيس السابقة، استقبلت التصريحات الأخيرة، متمنيا أن يخلف الله ظني هذه المرة، ولا يتم تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار رسميا في البنوك، وألا تطال حزمة الإصلاحات “أجندة صندوق النقد” قوت الفقراء والمعدمين.
كلام السيسي عن “الخير الكتير اللي جاي.. والأخبار الكويسة التي تنتظرنا”، يشبه كلام أغنية “هغرقكم” للفنان محمد صبحي في مسلسل “سنبل بعد المليون”.. سنبل الذي كان يقود “ربع نقل” محملة بعمال يومية، ظل يعدهم بأنه “هيغرقهم في الخير”، قائلا “هغرقكم في شبورة هنا وسرور هغرقكم.. وعليكم الخير هيدور بالدور.. هغرقكم.. اشتغلو كتير تقبضوا بزيادة هغرقكم”، وانتهى المشهد بقيادة سنبل السيارة نحو الترعة فسقط فيها مع عماله، فنظر لهم قائلا “مش قولتلكم هغرقكم”.