أقول، ليس هناك إصلاح كامل ولا نهضة شاملة بدون بناء الإنسان، مهما بلغت الحضارة المادية «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلَادِ». يقول الإمام الغزالى فى رسالة، أنجع الوسائل: «الصبى أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد فى الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم؛ شقى وهدك، وكان الوزر فى رقبة القيم عليه والوالى له».
هذا ما كتبه الإمام أبو حامد الغزالى عن تربية الصبيان. اهتم الإسلام كثيرًا بالإنسان وتربيته وإعداده للمهمة الكبيرة التى خلق من أجلها وهى مهمة العبادة «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، وهذا يعنى أن العبادة تشمل كل حياة الإنسان بما فيها خصوصياته. فالتعمير من العبادة الشاملة فى الإسلام. «قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، ويقول رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: [مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ].
والفطرة هنا هى الإسلام (إن الدين عند الله الإسلام)، وهذا يعنى الدين كله منذ خلق الله تعالى آدم. وحتى بعثة الرسول «صلى الله عليه وسلم»، خاتم الأنبياء والمرسلين.
يبدأ بناء الانسان بناءً صحيحًا فى المفهوم الإسلامى، قبل ولادته، بأن يكون اختيار الزوجين اختيار صحيح، ففى الحديث الشريف «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)». وقد يظفر الزوج بكل هذه الصفات الجميلة، المال والحسب والجمال والدين. أما بالنسبة للرجل فقد جاء فى وصفه «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ». الدين الإسلامى المشار إليه هنا هو كل دين من عند الله تعالى، وما فيه من تشريعات تتسم بالسهولة واليسر، وتجنب كل ما يدعو إلى التعقيد والتطرف والتشدد والعنف فى كل الجوانب والترتيبات والمناهج، لأن ذلك التيسير من المقاصد والغايات «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ».
يهتم الدين بالإنسان قبل مولده وهو لايزال جنينًا ثم رضيعًا ثم صبيًا ثم شابًا أو يافعًا ثم رجلًا أو امرأة ثم شيخًا أو عجوزًا. ولذلك كان المفهوم الواضح عن العبادة هو «العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة». وهنا يتضح معنى أحاديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى هذا الشأن.
خذ على سبيل المثال وأد البنات فى الجاهلية، وهى عادة سيئة بل جريمة شنيعة أن يقتل الأب البنات خوفًا من العار. وقد نهى الإسلام عن وأد البنات الذى كان شائعًا فى الجاهلية فى جزيرة العرب فقال تعالى «إِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ». وبعد الولادة فيكفى أن نعلم ما جاء فى القرآن الكريم «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ». وفى الآية الأخرى «نحن نرزقكم وإياهم».
أى أن الرزق من عند الله تعالى «وَفِى السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ» وهذا ما ينبغى أن يعرفه الآباء والأمهات، إذ يجب أن يوقنوا أن رزقهم ورزق أولادهم هو من عند الله تعالى. ومن هنا جاء قوله «صلى الله عليه وسلم» «تزوجوا الودود الولود فإننى مكاثر بكم الأمم.» فلا يظن أحد أن هذا المفهوم يتعارض مع تنظيم النسل، ولكن بكل تأكيد فإنه لا يتفق مع تحديد النسل بالمفهوم الغربى الحديث حتى لو كان من مقررات الأمم المتحدة فى مؤتمراتها المتعلقة بالسكان. وللحديث صلة وبالله التوفيق.