مؤمن الهباء
شهادة .. كفاية .. يا وزير الأوقاف
أتعجب أشد العجب من التحدي الكبير الذي أعلنه وزير الأوقاف في مواجهة قرار هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الخاص برفض "الخطبة المكتوبة" واعتبارها تجميداً للخطاب الديني .. ورفض أساتذة جامعة الأزهر بالاجماع لهذه الفكرة الرجعية وانضمامهم إلي رأي شيخ الأزهر الذي هو المرجعية الدينية في مصر وخارج مصر.. ويجب علي الجميع احترامه وتوقير مكانته.
وأتعجب أشد العجب من تهديد أحد كبار مساعدي الوزير لكل من يعارض الخطبة المكتوبة أو يتحفظ عليها.. وقوله: "إن غير الملتزم بالمكتوب سيعتبر من الإخوان ومشتقاتهم".
هذه العقلية الفاشية في إعلان التحدي والمواجهة لا تعرف شيئاً بالتأكيد عن حرية التعبير.. ولم تقرأ كلمة عن ضرورة التنوع والتعدد والتسامح في خلافات الرأي.. ولم تسمع عن قول الإمام الشافعي رحمه الله: "قول غيري خطأ يحتمل الصواب وقولي صواب يحتمل الخطأ".. والغريب أنهم يطالبون غيرهم بقبول الآخر وسعة الصدر لكنهم لا يطبقون ذلك علي أنفسهم .. ويسعون إلي الصدام مع المجتمع وفتح مزيد من جبهات الرفض والشقاق بعد كل ما كتب وأعلن عن رفض الفكرة الجهنمية وعدم ملاءمتها للعصر الذي نعيشه.
قال شيخ الأزهر.. وقال معه أغلب الكتاب والمفكرين إن الخطبة المكتوبة ستحول الخطيب عالم الدين من قامة عالية وقائد للرأي له مكانته وهيبته في المجتمع إلي مجرد تلميذ كسول بليد يقرأ ما يملي عليه.. وستشل قدرته علي التفكير والتدبر.. وتهمش دوره في مواجهة التطرف والمتطرفين.. وتنسف شخصيته كقدوة.. لكن وزير الأوقاف لم يهتم بكل ذلك.. وضرب به عرض الحائط.. مستنداً إلي أن وزارته صاحبة الحق في الاشراف علي المساجد.
نعم .. وزارة الأوقاف مسئولة عن الاشراف علي المساجد من حيث توفير الإمام والخطيب والمؤذن وعمال النظافة والتجديد والترميم والفرش وهي تنفق علي ذلك من أموال أوقاف المسلمين التي تديرها.. وهي ليست أموال الوزارة ولا أموال الحكومة ولا أموال الدولة.. انها أموال المسلمين الخاصة التي خصصوها للانفاق علي المساجد وأعمال الخير والبر.. وعلي وزارة الأوقاف أن تديرها بأمانة ونزاهة.. أما المرجعية الدينية للمسلمين في المساجد وخارج المساجد فهي للأزهر الشريف وعلمائه الأفاضل.. هذه مسألة محسومة يجب ألا يجادل أو ينازع فيها وزير الأوقاف ليخلق أزمة جديدة وحساسيات لا طائل من ورائها داخل المؤسسة الدينية.
الحقيقة.. أن موقف الأزهر وشيخه من رفض هذا العبث يستحق الاحترام والدعم.. ونتمني أن يظل ثابتاً ولا يخضع للابتزاز.. ويستطيع وزير الأوقاف في المقابل أن يتراجع خطوة خطوة.. وأن يعود إلي مقولته الأولي بأن الخطبة المكتوبة اختيارية لمن يريد ولن تطبق اجباريا.. هذا حل جيد يحفظ ماء الوجه.. ولا يفرق الصفوف.
كثير من الناس فقدوا الثقة وابتعدوا عن المساجد بدعوي أنها أممت ووضعت تحت الوصاية.. وما يفعله وزير الأوقاف سيزيد ابتعاد الناس ويدعم رأي المشككين والمتشددين.. وهذا ليس في صالح السلام الاجتماعي ووحدة الصف.. هل من الممكن في زمن الحريات والانفتاح والتعدد أن يقع المسجد في قبضة الاحتكار والصوت الواحد.. وأن يكون خطيب المساجد من أسوان إلي الإسكندرية هو ذلك الشخص القابع علي مكتب في وزارة الأوقاف يكتب الخطبة الموحدة ويرسلها للجميع؟!
يا عالم .. الدنيا تغيرت .. ومن ينظر إلي الوراء يفرض علي نفسه الجمود.. والعيش في زمن خارج الزمن .. ويفرض علي الوطن معارك هو في غني عنها.
استقيموا يرحمكم الله.