المساء
محمد جبريل
ع البحري .. الوثـائق
كيف نكتب تاريخنا المعاصر؟!.. أو كيف نعيد كتابته بما ينقيه من الأهواء والأغراض والشوائب. ونضعه ما أمكن ـ في إطار الصدق والموضوعية؟!!
بداية.. فإن تولي الحكومة ـ وبالذات إذا كانت ممثلة لحزب ما ـ عملية كتابة التاريخ. ينطوي علي مغامرة غير مأمونة. ولعله يجرد العملية من أهم مقوماتها الموضوعية.
لطالما عاني التاريخ المصري من مؤرخي الأحزاب. حتي في الفترات التي كانت فيها تلك الأحزاب بعيدة عن كراسي الحكم. أذكرك بتناول الرافعي لأحداث الثورة العرابية من وجهة نظر الحزب الوطني. الذي كان ينتمي إليه. فجاء التناول قاصراً عن تفهم الأبعاد الحقيقية لتطورات الأحداث آنذاك.
وعموماً.. فإن الإشراف الحكومي علي عملية كتابة التاريخ يمثل تدخلاً رسمياً. يصعب التهوين من تأثيره. علي استقلالية البحث. وسعيه إلي الحقيقة المطلقة.
إن دور الدولة هو توفير الوثائق اللازمة لعملية كتابة التاريخ. ذلك ما تنهض به ـ فعلاًـ حكومات الغرب الأوروبي. عندما تيسر للباحثين فرص الاطلاع علي الوثائق الرسمية والمذكرات الشخصية. بعد انقضاء فترة معينة.. الحصول علي الوثائق غاية في الصعوبة بالنسبة للأفراد ـ من ناحية التمويل المادي علي الأقل ـ وهنا تأتي الحكومة لتمويل وتوفير تلك الوثائق في أيدي الباحثين. كذلك فإن الدولة هي التي تملك ـ في الأغلب ـ ما يطلبه رواة السير الذاتية. أو ورثتهم. مقابلاً لرواياتهم عن الفترات التي أسهموا في صياغة أحداثها.
لعلي أضيف إلي مسئولية الدولة في عملية تسجيل الأحداث. سواء بالسرد الواقعي أو التحليل. إصدار الكتب البيضاء والزرقاء. التي تضم ما يباح إذاعته من الوثائق. بحيث تصبح مصادر أساسية في خدمة الباحثين. وحتي لا تغيب الوقائع الحقيقية بدعوي الاجتهاد.
أما الأحياء ممن أسهموا بدرجات متفاوتة في صياغة تاريخنا المعاصر. فإن مسئوليتهم أن يحاولوا تسجيل الأحداث. والخروج بنتائج تفيد الباحث والقارئ في آن معاً. وأما الراحلون. فإن المشكلة التي يعانيها كل الباحثين.. وكم عانيت. وأعترف. منها!!.. هي غياب الوثائق في أدراج الأصدقاء والأقارب. أو في سراديب دار الوثائق القومية. ونشر الوثائق وتحقيقها جهد قد لا يقوي عليه الأفراد. وأتصور أنه مسئولية المراكز العلمية في الجامعات والهيئات التي تعد دراسة التاريخ جزءاً من مهامها ومسئولياتها.
الوثائق هي المصدر الأساسي لعملية كتابة التاريخ. حتي لا تصدر الكتابة عن اجتهادات تصيب الحقيقة أحياناً. وتخطئها في معظم الأحيان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف