المستشار محمد محمد خليل
خواطر مصري - التعليم والنهضة
* لم يجد محمد علي باشا حين بدأ النهضة بعد توليه حكم البلاد سنة 1805 بترشيح من علماء الأزهر وكبار رجال الأمة لم يجد بدًا من اتخاذ العلم وسيلة للنهضة ببلاد المحروسة. ومن ثم أرسل البعثات تلو البعثات إلي أوروبا ليحصلوا من العلم. والتجارب ما يفيد بلادهم. وأرسل شبابا تخطوا الأربعين من عمرهم. إلا أنه أدرك أن صغار الشباب أقدر علي تحصيل العلم. وأصبر علي التعليم. واشد طموحا واصرارا. فأرسل بعثات تتراوح اعمارهم بين السابعة عشر والخامسة والعشرين. استطاع بمجهود هؤلاء جميعا أن يقيم نهضة صناعية وزراعية وعلمية وعسكرية. تفخر بها الأمة. وتسير علي خطاها مرة أخري. ولولا تكتل الدول الأوروبية ضده. وايغار صدر الباب العالي نحوه. لاستمرت مصر في مسيرتها النهضوية قدما. تسبق فيها أمما كثيرة مما جعل دولا مثل اليابان في نهايات القرن التاسع عشر. ترسل بعثاتها إلي مصر لتدرس أسلوب النهوض وأسباب التقدم.
نقول ذلك ونحن علي أبواب تدق فيه أكف المحبين علي باب النهوض. وتتسابق عقول الوطنيين. لتعويض مصر المحروسة ما فاتها من تقدم مأمول. ونهضة نجري نحوها.
بداية نقول: إن التعليم هو المصباح المضيء لشعلة الحياة وهو الطريق السوي المستقيم لإقامة حياة راقية. واقتصاد متقدم. ونهضة نسعي جميعا لاقتناصها. وهو مفجر الحريات في عقول البشر وباني الحضارات. ومنسق الفكر لدفع الهمم إلي حياة أفضل يكون فيها الإنسان إنسانًا له قيمة. وبه تستقيم الأمم وتتحقق الكرامة والنصر في كل مجالات الحياة.
* ما نراه اليوم من انتشار المدارس الأجنبية الراقية في مبانيها وسياراتها لنقل الطلاب. وحدائقها المحيطة بها. ومصروفاتها الباهظة التي تصل إلي الآلاف. لم تساهم في النهوض بمصر علي الوجه الأكمل والغرض المنشود.. نعم هناك مدارس حكومية بالآلاف ومدارس خاصة بالمئات منتشرة في أنحاء القطر. وكما قلت مصاريفها بالآلاف يتهافت عليها الأغنياء من الناس فخراً ووجاهة.
ولكن قل لي: ما هي المحصلة النهائية التي عادت علي الوطن سوي معرفة الطالب للغة أجنبية علي حساب لغته العربية. وتلك اللغة الأجنبية لم يوظفها فيما هو مفيد لوطنه. مكتفيا بالتحدث بها في النوادي أو علي الشاشات الالكترونية أو نطق مصطلحات اجتماعية بعيدا عن العلم الذي من أجله تعلمها.
اسألوهم أيضا عن مستوي الأخلاق المتدني بين كثير من هؤلاء الطلاب الذين انفض عنهم أهلهم وخاصة الأمهات اللاتي ظنن أن المدارس هي وحدها المسئولة عن التربية كما هي المسئولة عن التعليم المهزوز في كثير من هذه المدارس..!!!
حدثتني قريبة لي أن ابنها في احدي المدارس الأجنبية في القاهرة تدفع له مصروفات بالآلاف. إلا أنها تدفع له في الدروس الخصوصية آلاف أكثر حتي يمكن أن ينجح في آخر العام. فضلا عن أن المستوي الأخلاقي المتدني لكثير من هؤلاء التلاميذ يتمثل في استيلاء بعضهم علي ما يخص زملاءهم. واستخدام السلاح الأبيض أحيانًا ضد بعضم بعضًا رغم أنهم جميعا من أسر لها نصيب كبير من الثراء والوجاهة.. هل يعقل ذلك..؟؟!!
أما المدارس الحكومية. فتلك التي لا تجد مدرساً متفرغاً لعمله. ولا مكان لتلميذ يجلس مستريحاً. يتلقي العلم. فلا ملامة علي أسرته إن لجأت إلي الدروس الخصوصية.
* الفرحة التي عمت البلاد. بانعقاد المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ. لا تدانيها فرحة. وكان المؤتمر عرسا أقيم من أجل مصر. وانطلقت المليارات. والمشاريع الاقتصادية الجبارة. تتسابق في صالح البلاد. لكن قبل ذلك. ومن أجل ذلك كله. لابد من التربية أولا ثم التعليم. ولا يكون ذلك إلا بالاهتمام بتكوين مدرس ناجح فاهم لمهنته. محب لها. يقبل عليها باقتناع دافق. وايمان راسخ بأنه من قال عنه الشاعر أحمد شوقي رحمه الله: كاد المعلم أن يكون رسولا.
أما أن يكون المعلم غير مخلص في مهنته. لا يدري قيمة صنعته. يتبارز مع التلميذ في خروجه عن مناطق التربية والأدب. يضرب احدهما الآخر. فلا خير في مدرس فقد هيبته بسبب الدروس الخصوصية. ولا في تلميذ انعدم منه الأدب. ولم يحصل علي رصيد من التربية.
نحن في حاجة إلي مناهج تغذي العقل. وتدفعه إلي النهوض. وإلي مدرس يعشق مهنته. كما كان الأقدمون يعشقونها. يربي قبل أن يعلم. ويعطي قبل أن يأخذ. تعف نفسه عن الدروس الخصوصية بالاخلاص في عمله الوظيفي كأي مواطن حر محب لوطنه. كما نحن في حاجة إلي تلميذ أدت أسرته ما عليها نحوه من تنشئة صالحة وتوجيه مفيد.. لا يمكن أن ينجح تلميذ لم تقم المدرسة علي تربيته قبل تعليمه.
لابد من تعاون البيت مع المدرسة والأب والأم مع المدرس. حتي يمكن أن ينشأ جيل مسئول يعرف معني القيم النبيلة. والواجب الذي يجب عليه أن يؤديه إلي وطنه.
* وحتي يمكننا أن نوظف ما انتهي إليه المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ. ونعمل علي البدء بخطوات جادة نحو تحقيق ذلك. علينا بالتعليم وقبله التربية لنتخلص من الركود الاقتصادي والضياع الأخلاقي.