البديل
مايكل عادل
أي ثورة؟
كان مفترضاً أن تبدأ الإنسانية في جمع شتاتها بمجرد أن قامت ثورة وقرر الناس أن يجتمعوا على ساحة إنسانيّة واحدة، أو هكذا ظن أكثرنا، وبدأ كل حالم في صياغة حلمه، وتهجّي الأحرف الأولى من مسيرة كانت تبدأ خطواتها وقتذاك.

ما أعجب الإنسان حين تأخذه خطاه نحو سعادة ما ليركلها ويعود أدراجه حيث تقليديّة الألم ورتابة التعاسة وانعدام الحلم. كأم ربّت وأطعمت وضحّت ثم قتلت الإبن، فهي لم تعد بالطبع لحال ما قبل إنجابه بل ستموت كمداً كل دقيقة على ما كان وما كاد أن يكون، ولكن يدها أنهته في لحظة.

في الواقع إن معضلة فشل أو إجهاض الثورة المصريّة على هذا النحو هو في حد ذاته أمر أكثر تعقيداً مما يبدو، فعلى أي أساس نحكم بشكل قطعي بفشل الثورة أو نجاحها أو -لمزيد من التحذلق- في أي شأن نجحت وما مواطن الفشل بها؟ إن كان سقف الجرأة والوعي بالشأن العام معياراً فقد نجحت الثورة بنسبة كبيرة، وإن كانت الحريات والمؤسسية على الأصعدة الرسميّة والمستقلة هي المعايير فقد فشلت الثورة حتى الموت.

وفي الحقيقة أن الاهتمام بشأن نجاح المذكورة من فشلها وتقييمها بتلك الطريقة لهو أمر مثير للشفقة والضجر في آن واحد، فبدلاً من دراسة الثورة كمسيرة مبادئ وأفكار محددة وعوامل تحركها ووصولها هنا وهناك، انشغل الناس في الحكم بالنجاح والإخفاق.

والحقيقة أيضاً أن مسألة الفشل والنجاح لثورتنا أمر نسبي. فالثورة لمن أراد الإطاحة بمبارك لمجرد الإطاحة به، قد نجحت. ولمن أراد الإطاحة بمبارك ليأتي بالإخوان بديلاً، فقد نجحت ثم فشلت. ولمن أراد الإطاحة بمشروع التوريث فقد نجحت أيصاً وربما أوصلته للحكم على سبيل الكادوه أو تلك القبلة التي يعد بها التاجر زبونه حينما يخبره بأن البضاعة ستصله (وفوقها بوسة). أما السواد الأعظم من الحالمين أمثالنا والذين يرون الثورة بغير عين المطلب الواحد، أو المطلب بشكل عام. أولئك الذين قالوا “عيش، حريّة، عدالة اجتماعية” من القلب بلا متاجرة أو استغلال لحاجة الناس فهم واقفين الآن يضربون كفّاً بكف غير عابئين بجدليات الفشل والنجاح بل بجدوى إفناء الحياة على أمل وجدوى استمرار العُمر واستئناف المسيرة الإنسانية بعد النجاح في توقيف عقارب الساعة للحظات. هؤلاء لا يستهويهم النقاش في مواطن النجاح والفشل بقدر تعلقهم بفرحة ما جربوها لمرة واحدة خلال حياتهم وما زالت تراودهم ذكراها إلى الآن. وهؤلاء لا يعرفون الفارق بين الفشل والموت، انقطاع الأمل وانقضاء العُمر، كل ذلك سواء أمامهم.

نجحت الثورة لدى البعض وفشلت لدى آخرين، تاجر بها البعض وكفر بها بعض آخر وهناك أيضاً من حملهم الحلم للسموات السبع ولازالوا هناك. كل منّا أعطى الثورة تعريفاً وشرع في قياس الأمور بمعياره ولكن السمة الواحدة هي أن الثورة زارت قلوب الجميع بشكلٍ ما، ولمست الجميع وأحدثت تغييراً في الجميع، الجميع عدا من حكموا البلاد أو شاركوا في صناعة قرارها منذ قيام الثورة وحتى الآن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف