البديل
أحمد بان
خطبة الجمعة بين التجديد والتجميد
“اللهم أنصر السلطان العثماني وأعده لنا سالما من الشام”.. هكذا أتم الخطيب فى قريتنا منذ سنوات قليلة تلاوة خطبته المكتوبة، التي نسخها من أحد كتب الخطب القديمة المكتوبة منذ قرون، بينما حرص المصلون على التأميم خلفه في خشوع يليق بخطبته.

تبدو هذه الصورة الساخرة وإن كانت حقيقية أصدق مثال على انفصال الناس عن خطبة الجمعة بأرواحهم وعقولهم، وإن حرصوا على حضور الصلاة ربما إسقاطا للفريضة وحذرا من إثم تضييعها.

أصبحت مشكلة ضعف الخطباء واعتلاء من ليسوا أهلا للخطابة لمنبر رسول الله معضلة حقيقية، فعبر عقود من الضعف العلمي لخريجي الأزهر وأئمة الأوقاف، احتل تلك المنابر دعاة لايعرفون العربية ولايحسنون النطق بها، فضلا عن ضعف معارفهم العلمية الواضح، فى مظهر من مظاهر الفساد الذي ضرب كل مؤسسات الدولة وفي القلب منها نظامنا التعليمي العام والأزهري.

خطبة الجمعة أحد مفردات الخطاب الديني الذي تتردد من آن لآخر مطالبات من السلطة الحاكمة في البلاد بضرورة تجديده، وهو ما دفع وزير الأوقاف إلى الاستجابة السريعة للأمر بالاشتباك مع خطبة الجمعة التي قدر أن توحيدها هو السبيل الوحيد لإصلاح الخطاب الديني، تماما على طريقة صاحب البيت الذي تضعضعت أساساته وخربت مرافقه كلها، فقرر صاحبه إعادة طلائه بلون جديد.

على الفور، قررت الحكومة المصرية توحيد خطبة الجمعة في جميع مساجد مصر، بينما أكدت مصادر أن هذه الخطبة سيكتبها علماء الدين في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، كما أن علماء النفس والاجتماع والتنمية البشرية سيكون لهم دور في ذلك.

بينما أكد أحد وكلاء وزارة الأوقاف أنه لم يبد أحد اعتراضا في اجتماع ضم الوزير مع أركان وزارته حول الأمر، وأن كل وكلاء الوزارة تلقوا التعليمات الخاصة بالخطبة الموحدة دون مشاكل.

هل كان يتوقع أحد أن يعارض موظف كبير الموظفين في أمر كهذا؟ أو أن هؤلاء الوكلاء من المفكرين أصحاب الرؤى ممن يظن أحد بهم شبهة التفكير أو الإبداع أو حتى جرأة مخالفة الوزير.

مضى الأمر إلى نهايته ووقف الوزير على المنبر ليتلو خطبة مكتوبة باعتباره القدوة لمنسوبي وزارته، لينفجر غضب شيخ الأزهر الذي كان قد وصف القرار بأنه تجميد للخطاب الديني، وبدا أن هناك تباينا بين الأزهر والأوقاف انتهى بلقاء جمع الوزير مع شيح الأزهر اتفقا فيه على إلغاء الخطبة الموحدة ببساطة هكذا.

أي عبث هذا! لاتتعجب إنها مصر وحكومتها الرشيدة
بداية، لايمكن اختزال الخطاب الديني فى خطبة الجمعة، وإن بقيت هي المظهر الوحيد الباقي لعلاقة المسلمين بدينهم في واقعنا المزري، بفعل حالة من الجفاف الروحي التي ضربت مجتمعنا بعد انشغال حركات الإحياء الديني بمشاريعها السياسية ونحر الدعوة على مذبح الحكم.
ومن ثم عودة الدولة لاحتكار النشاط الدعوي من جديد بعد تأميم النشاط الأهلي، بدعاوى أمنية أو سياسية.

يوجد في مصر ما يقرب من 124 ألف مسجد تسيطر الوزارة على ما يقرب من 90% منها، بينما تبقى 10% منها خارج سيطرة الوزارة تماما.

عمليا، لايمكن للوزارة أن توفر خطباء على مستوى لائق لهذا العدد الضخم من المساجد، في ظل الواقع الحالي وكان بالإمكان علاج الأمر عبر تشكيل لجان اختبار لقياس كفاءة الخطيب من النواحي المختلفة باعتباره مبلغا عن رسول الله علما وحضورا وصوتا وسلامة نفسية وعقلية بالأساس، بعض خطبائنا بالمناسبة يحتاجون علاجا نفسيا ويصعدون للمنبر يبثون الناس مظاهر أمراضهم النفسية باعتبارها دينا يتعبد الناس به، هذه اللجان تختبر كل من يرى نفسه أهلا للخطابة بصرف النظر عن كونه أزهريا أم غير أزهري، فقد تكفلت معاهد إعداد الدعاة عبر عقود بتأهيل عدد لابأس به من الدعاة ليسوا من خريجي الأزهر.

الانتخاب الطبيعي هو أفضل وسيلة لاختيار الإمام، وهو ما لايتم بالتعيين كما أن تشكيل لجان للاختبار من الأزهر والأوقاف دون أساتذة الاجتماع وعلم النفس يجعل الاختيار فى النهاية خاضعا لمعايير الموظفين، التي لاتمرر سوى الموظف وليس الإمام القادر على الاشتباك مع هموم مجتمعه ورفع واقعه وتحديد أولويات الخطاب الذي تعد الخطبة أحد مفرداته.

إصلاح خطبة الجمعة، لاشك، أحد وسائل تطوير الخطاب الديني، وهو ما لايتم إلا عبر حسن اختيار الخطباء وتحديد معايير صحيحة لهذا الاختيار لاينفرد فيها موظفو الأوقاف بالأمر، وإلا فسيبقى الإمام يدعو بعودة السلطان العثماني من الشام، وسيبقى المصلون يرددون أمين في خشوع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف