جلاء جاب اللة
مجلس أعلي لدعم الإنسان المصري
ما هي قضيتنا الأساسية الآن؟
الإرهاب أم الفساد.. أم البناء أم التطوير أم أنه أزمة الدولار..؟
كل هذه القضايا أساسية وضرورية لكن لا علاج لها إلا إذا بدأنا بالقضية الأساسية والرئيسية في مصر وهي الإنسان..!!
في الأيام الأخيرة.. كان للرئيس السيسي أكثر من اجتماع معهم مع وزراء ومسئولين كلها تدور حول الإنسان البسيط أو بمفهوم العامة "الغلابة" ولأننا نتوه في المسميات.. وتضيع منا المصطلحات فلم يعد أحد يعرف من هو الإنسان الفقير في مصر هل هو المعدم الذي لا يملك قوت يومه أم أنه الذي يملك بالكاد قوته ومقومات حياته؟
هل الفقير هو صاحب الشريحة الأقل في استهلاك الكهرباء أم أنه الذي لا يملك أصلا كهرباء ويعيش في منطقة عشوائية بلا مقومات أساسية للحياة؟
الإنسان المصري هو الإنسان سواء كان فقيرا أو متوسط الحال أو حتي غنيا يحتاج إلي رعاية واهتمام وإعادة صياغة لفكره ونفسه بل وروحه..!!
في قضية الدولار مثلا من هو الفاسد؟ هل هي شركات الصرافة أم الذين يشترون مدخرات المصريين في الخارج.. أم الإنسان العادي الذي وجدها فرصة للكسب السريع.. فاشتري بكل ما يملك دولارات علي أمل زيادة السعر فيكسب سريعا؟
في قضية القمح والفساد الذي شابته من هو الفاسد الذي وضع لوائح يمكن استغلالها من قبل الفاسدين أو المفسدين أم الذي استغل هذه اللوائح بحثا عن مكسب سريع لا يهم إذا كان حلالا أم حراما.. أم الذين يدافعون عن المنظومة الفاسدة أم الذين يريدون البحث عن دور حتي لو كان علي حساب الوطن؟
هذا مجرد نموذج بسيط في محاولة للبحث عن تحليل للأزمة المصرية.. وأعتقد أن أزمتنا الحقيقية وإن كانت قد ظهرت معالمها بوضوح بعد 2011 إلا أنها كانت كامنة فينا.. لكن أحداث ما بعد ثورة 2011 كشفت عوراتنا وأظهرت أسوأ ما فينا وأنا هنا لا أقدم جديدا ولكن أحاول البحث عن حل من خلال الإنسان المصري.. وهو في حقيقة الإنسان المؤمن الصادق الشهم صاحب الأريحة وصاحب القيم الإيجابية العديدة.. لكنه في المقابل إنسان يبحث عن أحسن ظروف تناسبه وأسرته.. يريد المكسب السريع.. ويبحث عن المتعة الحلال ويريد أن يكون مثل غيره حيث أصبحت هناك فجوة حقيقية واسعة بين أصحاب الثراء الشديد.. وذوي الفقر الشديد؟
وهو هو نفسه الإنسان المهزوم المقهور بتأثير عوامل كثيرة خارجية وداخلية نفسية ومعنوية.. سياسية واجتماعية واقتصادية.
هو نفسه هذا الإنسان الذي ماتت زوجته بالسرطان فترك فلذة كبده في مستشفي وطالب من يجده أن يرعاه لأنه فقير وعليه ديون شديدة هو نفسه هذا الإنسان الذي خسر فريقه الذي يشجعه فضرب زوجته التي تشجع الفريق المنافس والتي لم تجد إلا أن تلجأ للمحكمة مطالبة بخلعه!!
هذه النماذج هي الإنسان المصري نفسه الذي يضحي بحياته من أجل الوطن في مواجهة الإرهاب بشمال سيناء.. وهو نفسه الذي يبحث عن لقمة عيشه هو وأسرته في ظل أصعب ظرف يواجهه الإنسان..!!
الإنسان المصري هو نفسه هذا وذاك وبالتالي فنحن في حاجة إلي إعادة صياغة لروح ونفس وطبيعة وفكر وثقافة هذا الإنسان.
أعرف جيدا أن الاختلاف هو سمة الإنسان الرئيسية ولكن الاختلاف لا يغني عن وجود قواسم مشتركة بين الإنسان المصري الذي ظل معروفا طوال التاريخ بالشهامة والرجولة والطيبة و"الجدعنة" وكنا نقول إنه مغموس في ماء وطين النيل..!!
كما أنه نفسه الإنسان المتدين بفطرته الذي عرف حقيقة الدين وأول من عرف التوحيد علي الأرض.. وكان الإيمان هو الصفة الملازمة الدائمة له سواء كان ملكا أو خادما.. بينما اليوم نجد حالة من التفريط والإفراط في الناحية الدينية لدي شريحة كبيرة من المصريين.. هناك الذي أصبح متطرفا.. بل وإرهابيا حتي أننا فوجئنا بوجود مصري مع الأكراد السوريين وقد مات وسطهم وهو يحارب من أجلهم وفي نفس الوقت هناك من وجد نفسه في الطرف الآخر القصي مع الملحدين ومنكري الدين ووجد لذة مؤقتة في الابتعاد عن فكرة الدين والارتباط بمقدسات دينية.
من النقيض إلي النقيض أصبحت حالة الإنسان المصري.. وقس علي ذلك في كل شيء الثراء الفاحش والفقر المدقع.. الطيبة الشديدة والشراسة القاتلة.. العقل الهادئ والتهور القاتل.. العلم الفاهم والجهل الغبي.. كل هذا التناقض أصبح سمة عامة بينما تآكلت الطبقة الوسطي بين هذا وذاك إلي درجة مخيفة وصعبة.
الإنسان المصري "المسكين" الذي كان ضحية نفسه وغيره هو نفسه الذي يحتاج الآن وبسرعة إلي علاج سياسي واقتصادي ونفسي واجتماعي وديني وقيمي.. يحتاج إلي خطة كاملة متكاملة يعكف عليها علماء مصر في كل المجالات وبسرعة شديدة لإنقاذ هذا الإنسان الرائع.. هذا الإنسان الذي صنع الحضارة ومهد للإنسانية منذ بدايتها وأصبح الان مظلوما مطحونا تكالبت عليه الأمم لأغراض سياسية.. وتكالب عليه إخوانه لأغراض سياسية تحولت إلي عداء حقيقي بين الإنسان وأخيه.
لا يستطيع أحد أن ينكر الجهود الرائعة التي تبذلها مصر في كل الاتجاهات حاليا.. ولا يستطيع أن ينكرها إلا جاحد أو أعمي ولكن هل يمكن أن تحقق هذه الإنجازات وتلك المشروعات الكبري هدفها أو نتائجها المرجوة.. بينما الإنسان نفسه وهو الهدف من هذه المشروعات مازال مريضا منهكا ضعيفا؟
أتمني لو أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يشكل مجلس أعلي لتنمية الإنسان المصري يضم شيخ الأزهر والبابا ورجال الدين.. وأساتذة وعلماء الاجتماع وعلم النفس والسياسة والاقتصاد ذوي الرؤي الإنسانية والمجتمعية الحقيقية لوضع أسس وآليات إنقاذ الإنسان المصري قبل أن يضيع..!!
لا أريد أن أخوض في مظاهر وسلوكيات سلبية عديدة في مقابل مظاهر وسلوكيات إيجابية مازالت تعيش بيننا فنحن جميعا نعيش علي أرض مصر ونري ما يفعله "سلوك التوك توك".. ونري سلوكيات في المسجد والكنيسة أو في بعض الجهات الاجتماعية الإنسانية الرائعة.. كل ما نريده هو عودة الروح للإنسان المصري.. هذا الإنسان الذي يمتلك كل مقومات التميز والعطاء والحب والرضا هذا الإنسان الرائع الذي أشاد به كل من عرفه من أنبياء وعظماء وعلماء هذا الإنسان الذي كان هدفا لقوي خارجية بعد حرب أكتوبر ..1973 وانتصار مصر علي قوي الشر آنذاك.. فتكالبت علي مصر كل قوي الشر الناعمة والشرسة.. الداخلية والخارجية.. العسكرية وغير العسكرية تكالبت عليه نفسيا ومعنويا واجتماعيا واقتصاديا لتصل به إلي حد الانهيار وكاد أن يفعل ذلك فعلا إلا أن روح 30 يونيه كانت لهذا المخطط بالمرصاد وهزمت قوي الشر في معركة سريعة وحاسمة لكن المعركة مازالت مستمرة وتأخذ أبعادا وأشكالا عديدة.
الإنسان المصري أيها السادة أمانة في عقل وقلب كل مصري في الداخل والخارج.
الإنسان المصري هو القضية الرئيسية وهو بداية كل إنجاز.. كما أنه هدف كل إنجاز.