الجمهورية
المستشار عبد العاطى الشافعى
مشهود وفاء النيل.. مفقود وفاؤنا للنيل
مع عيد وفاء النيل.. الذي يصل في شهر أغسطس من كل عام.. ويذكر فقط في أوراق النتائج والمفكرات والأجندات الحكومية والمذكرات.. ثم لا يحتفل به أحد.. وكأن نهر النيل ليس شريان حياتنا.. ولا هو سيد الأنهار.
وكأني بالنيل.. النهر العظيم الخالد.. يناجي ـ معاتباً ـ أبناء مصر الأماجد.. فيقول: إن أعجب.. فعجب قولكم: "وفاء النيل".. تعتبرونه عيداً.. تملأونه قصيداً وغناءً ونشيداً تحتفلون به لعدة أيام.. ثم تنصرفون عني ولا تذكرونني طوال العام.. وما كنت يوماً إلا لكم وفياً.. وقد عهدتموني.. أبداً بكم حفياً.. وأذكر أن منصفاً منكم وصفني فقال: "لو تمثل النيل بشرا لكان أوفي الأوفياء.. صادق الوعد.. دائم الجود والعطاء".. ما أخلفتكم أبداً وعدي.. ولا حجبت عنكم فيضاني ومدي.. بيد أنكم ـ يا أبنائي ـ ما وفيتموني بعض حقي.. بل طفقتم تعتدون علي ضفافي وأعطافي وصفحتي وعمقي.. أشبعتموني إساءة وإيذاءً وإذلالا.. وأوجعتموني إنقاصاً الأشقاء والاصدقاء الأقربون.. يحلمون حتي بجدول صغير.. وأني لهم ما به يحلمون.. وأنتم بنعمة الله عليكم لا تتحدثون.. وتتمادون.. وفي كامل وعيكم.. تضعون السم الزعاف في الوعاء الذي منه تشربون.. تري.. كيف ترتاح ضمائركم وكيف ترضي عقولكم.. وتهدأ سرائركم.. وأنتم تقسون علي وتغلظون.. ها أنتم ترهبون نهركم الطهور الخالد.. تدسون إليه ما تعافون من كل ضار وفاسد.. تفتحون عليه فوهات مجاري المخلفات البشرية ومصارف المزارع.. تصبون فيه ملايين الأطنان من السوائل القاتلة طريدة المعامل والمصانع.. تتخذون منه خرائب للمتروكات والنفايات.. مغاسل للدواب.. ومقبرة لما ينفق من الحيوانات.. تتخلصون فيه من الكيماويات الفتاكة والمبيدات... وكأن العقل منكم قد غاب.. أو أن الضمير منكم قد مات..!!
وإذا كانت مصر الكنانة هي أمكم التي تجيدون لها الانتماء وإياها تعشقون.. فإنني أنا النيل أبوكم الذي تسكنون واديه ولولا مائي ما كنتم أبداً تعيشون.. فكيف يا أبنائي هان عليكم صدر أبيكم البار الحنون.. فاتخذتموه مستنقعاً لما تعافون وتلفظون.. ومستودعاً لما تنكرون وتكرهون..في شرائع السماء.. وفي أعراف وقوانين الارض.. "الا ساء ما تفعلون"..!!
أما رأيتم ـ يا أبنائي ـ كيف أن أية أمة من أمم الأرض إذا حباها الله نهراً أو نهيرا.. أو حتي جدولاً صغيراً.. فإنهم يرعونه ويحفظونه.. يضعونه نصب أعينهم ويجلونه.. يغارون عليه.. يسمون به ولا يشينونه ولا يهينونه.. بل أرأيتم كيف كان أجدادكم القدماء.. يتباهون بي ويرفعونني إلي عنان السماء.. وكان المصري القديم إذ يطمع بعد الموت في النعيم المقيم.. وحين ينهي إلي الكاهن رجاءه في أن ينجو من عذاب القبر.. كان يقسم معترفاً بانه لم يقتل نفساً ولم يلوث ماء النهر..وذلك المسلك القويم عندهم كان دليل الطهارة والبراءة.. وكان القتل وتلويث مائي هما قمة الإجرام والدناءة.. وتلكم كانت مكانتي عند أجدادكم منذ آلاف السنين.. فما بالكم ـ يا أبنائي ـ قد جهلتم.. وتخلفتم.. وانتم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين..!!
عودوا ابنائي المصريين ـ إلي مجدكم القديم.. وتعاملوا معي بخلقكم النبيل الكريم.. واعرفوا ـ من جديد ـ قدر نهركم العظيم.. ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة.. ولا تستدعوا لأنفسكم الخطر الجسيم بل الموت الزؤام الأليم.
قوموا ـ يا ابنائي ـ علي حراسة ضفافي وضفتي.. ومجراي ومائي.. تخلوا عن عقوقكم وقابلوا بالوفاء منكم وفائي.. اضربوا بشدة علي أيدي القتلة الذين يلوثون ماءكم.. قولوا لهم أنتم شر مكانا.. أنتم أعداء أمتكم.. واعدائي.
علموا أولادكم كيف يحمون شريان حياتهم.. كيف يرعون إكسير وجودهم ومصدر خيراتهم.. كيف يحرسون سبب نمائهم ورخائهم وثرواتهم.. كيف يذودون عن حياض خير انهار الارض.. مبعث نهضاتهم.. باني حضاراتهم.
ادفعوا ـ أبنائي ـ عن نيلكم ممارسات التلويث والتدنيس والتشويه والتدمير "إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
سلمتم وطبتم يا أبنائي المصريين الأباة الأماجد.. وتحية لكم من أبيكم المظلوم الحزين النيل الخالد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف