الأخبار
عبد القادر شهيب
الاصطفاف الوطني مع الإخوان !
إنه الانتحار السياسي بعينه.. فإن عودة ليبراليين ويساريين إلي خندق الإخوان مجددا والعمل تحت رايتهم والاصطفاف السياسي معهم والحرب بأسلحتهم من أجل تغيير سياسي جديد لن يقودنا سوي إلي ذات النتائج السابقة

هذه مصادفة ولكنها ناطقة بالكثير!

ففي ذات اليوم الذي اعترف فيه أحد شباب الإخوان من تلقاء ذاته وهو المغير بأن اعتصام رابعة كان مسلحاً بأنواع شتي من الأسلحة (أسلحة نارية وخرطوش وقنابل يدوية ومولوتوف)، فإن أحد شباب العلماء الذي عينه الرئيس عدلي منصور مستشارا علميا له وهو د. عصام حجي ترحم علي شهداء رابعة والنهضة لأنه اعتبرهم خرجوا دفاعا عن وطن يحترم حق الجميع في حرية التعبير!
هذه هي المصادفة التي لا ينال منها أن المغير الذي كان قريبا من الرجل الأقوي في الجماعة خيرت الشاطر قد تراجع عن اعترافه بشطبه علي موقعه.. أما ما تنطق به فهو أننا نجد الآن بعضا من الذين لا ينتمون للإخوان، بل ومنهم من كانوا يعارضون الإخوان ويرفضون رؤاهم يصطفون الآن معهم أو يحبسون أنفسهم مع الإخوان في خندق واحد، هو خندق المواجهة ضد الحكم القائم في مصر، وذلك علي غرار ما سبق أن حدث قبل ذلك
فقد نجح الإخوان علي مدي سنوات عديدة منذ أن أخرج الرئيس الأسبق أنور السادات قادتهم وكوادرهم من السجون وسمح لهم بالعمل الدعوي والنقابي والاجتماعي في التغرير بكثيرين تخيلوا خطأ أن الجماعة بدأت من تاريخها الحافل بممارسة العنف والقتل والتخريب.. ولذلك مدوا أيديهم بالتعاون والتنسيق مع الإخوان سياسيا واستمر هذا التعاون والتنسيق رغم ما فعلوه بعد تنحي مبارك واتجاههم للانفراد بصياغة الدستور ورفضهم التوافق علي مبادئ دستورية أو التشارك في إعداد هذا الدستور، فوجدنا من يشارك في الانتخابات البرلمانية في قوائمهم الانتخابية ويقبل بالتحالف معهم.. ثم تصاعد الأمر دراميا لدرجة أن وجدنا من كانوا يرفضون خلط الدين بالسياسة يقفون خلف مرشح الإخوان في انتخابات الرئاسة داعين ومساندين له.
والآن يكرر هؤلاء ذات الخطأ الذي سبق أن ارتكبوه من قبل أو بالأصح الخطيئة التي مارسوها حينما اتخذوا مواقف سياسية داعمة للإخوان ومساعدتهم علي الإمساك بحكم البلاد والسيطرة علي المجتمع وفرض حكم فاشي ومستبد علي المصريين.. إنهم لا يكتفون باتخاذ مواقف مشابهة بل ومتطابقة مع مواقف الإخوان.. وإنما صاروا يستخدمون في كلامهم ذات المصطلحات اللغوية التي رددها الإخوان ومازالوا مثل تفريعة قناة السويس، ومجزرة رابعة، وحكم العسكر.. بل وصاروا أيضا يخوضون ذات المعارك التي يخوضها الأخوان منذ الإطاحة بحكمهم الفاشي المستبد في الثالث من يوليو ٢٠١٣.
ويتناسي هؤلاء، ولا أقول ينسون ما حدث خلال السنة التي حكم فيها الإخوان، لأننا جميعا مازلنا نتذكر كيف تربصوا بالجميع قضاة وإعلاميين وسياسيين وجيشا وشرطة، وكيف أصدروا إعلانا دستوريا يمنحون به ممثلهم في رئاسة الجمهورية صلاحية شبه إلهية، وكيف تعاملوا بعنف ووحشية مع من تظاهروا اعتراضا علي هذا الإعلان الدستوري.
إذن الأمر تجاوز حدود الذكاء أو الغباء السياسي هنا.. يقود يكون اختفاء الذكاء السياسي أو الوقوع في براثن الغباء السياسي صاحبه إلي اتخاذ مواقف سياسية تلحق الأذي به وتجهض حتي ما يعتقده ويسعي لتحقيقه في الساحة السياسية.. ولكن أن يكرر هؤلاء ذات الخطأ الذي سبق أن ارتكبوه واعترفوا هم أنفسهم بخطئهم ولاموا أيضا أنفسهم عليه فهذه هي الحماقة السياسية بعينها والتي وصفها البعض بأنها أعيت من يداويها.
إنه الانتحار السياسي بعينه.. فإن عودة ليبراليين ويساريين إلي خندق الإخوان مجددا والعمل تحت رايتهم والاصطفاف السياسي معهم والحرب بأسلحتهم من أجل تغيير سياسي جديد لن يقودنا سوي إلي ذات النتائج السابقة.. أي تمكين الإخوان من العودة إلي السيطرة علي البلاد مجددا والتحكم فيها وفرض حكم فاشي ومستبد علينا، وسوف يستفيد من أخطائه السابقة، وهذا ما قاله الرئيس الأسبق من داخل قفص الاتهام في إحدي القضايا التي كان يحاكم فيها.. قال: اتهمنا بأننا كنا نؤخون من الدولة يا ليتنا فعلنا ذلك!
ولكنني أنبه هؤلاء الليبراليين واليساريين أن الاصطفاف مع الإخوان في خندق واحد أمر لن يغفره لهم عموم الناس هذه المرة.. فقبل ٢٠١١ كان الإخوان قد نجحوا في التغرير حتي بقطاعات شعبية واسعة، وكثيرون صوتوا لهم في الانتخابات البرلمانية ما بين »شعب وشوري»‬ بغرض تجربتهم سياسيا وهم في الحكم، خاصة أنهم استخدموا وسائل عديدة لاجتذاب الناخبين إليهم.. غير أن عموم الناس الذين جربوا حكم الإخوان وخبروا أنهم جماعة فاشية تمارس العنف ولا تنبذ الإرهاب ولا تحرص في ظل إيمانها ما يمكن تسميته الأممية الإسلامية علي الوطنية المصرية والأمن القومي المصري..
من حقكم ومن حق غيركم أن تعارضوا الحكم القائم وما يفعله.. بل ومن حقكم ومن حق غيركم أن تسعوا أيضا إلي أن تتولوا أنتم حكم البلاد.. ولكن أن تعودوا إلي خندق الإخوان فتلك خطيئة لا تغتفر لكم شعبيا.. يا مصيبة السياسي الذي يخسر الشعب.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف