لما يئس السفير الإسرائيلي في القاهرة حاييم كورين من نجاح مهمته.. وظهر له من ردة الفعل القوية علي لقائه مع توفيق عكاشة انه سيظل محاصرا بين جدران بيته وسفارته بالمعادي.. تقدم بطلب رسمي لحكومته لإنهاء عمله بالقاهرة بسبب الظروف الصعبة التي يعمل فيها.. وعدم قدرته علي الانفتاح علي المجتمع المصري.. مؤكدا: "نحن لا نستطيع أن نظل نتعاون في الناحية الأمنية فقط".
وهكذا كتب كورين شهادة فشله في تنفيذ التوجه الجديد للدبلوماسية الإسرائيلية تجاه مصر بالانفتاح علي ما أسموه بـ "التطبيع الشعبي".. وحمل الرجل عصاه ورحل.. وبعثت لنا حكومة الإرهابي نتنياهو سفيرا جديدا قيل إنه عمل من قبل بالقاهرة.. واستطاع فتح قنوات اتصال وعلاقات مع جزء من النخبة المصرية.. وأنه من أشد المؤيدين لإقامة علاقات رسمية مع دول عربية أخري مثل السعودية والإمارات في إطار سلام إقليمي "دافئ".
استهل السفير الجديد - ديفيد جوفرين - عمله في مصر بتوجيه عدة رسائل علي "فيس بوك" للشعب المصري يلخص فيها مهمته بأن العلاقات بين الدول مثل العلاقات بين الناس - الثقة المتبادلة ضرورية ولا بديل لها في الدنيا.. وأن الحاجز النفسي هو أول عقبة في طريق السلام المنشود وإزالته تتطلب وجود مشتركات بيننا.. وأن إسرائيل لديها خبرات في مجال الزراعة والمياه تستطيع بها أن تقدم فوائد كبيرة للمواطن المصري.
ولكي يصل جوفرين إلي قلوب المصريين - هكذا قالوا له - فعليه أن يتحدث باللهجة المصرية.. ويعبر عن حبه الجم لعادل إمام صاحب الشعبية الهائلة.. ويتحدث عن أهمية مصر ومكانتها المحورية في الشرق الأوسط.. ويستخدم الأمثال المصرية في أحاديثه: "اللي يشرب من النيل يرجع له تاني" و"جارك القريب أحسن من أخوك البعيد".
من الواضح أن السفير الجديد "الفهلوي" جاء في توقيت يظنونه مناسبا لاختراق جبهة الرفض المصرية لقضية التطبيع من أجل الوصول إلي السلام الشعبي بعد السلام الرسمي - أو الحكومي - وإزالة الحاجز النفسي الذي يتحدث عنه السفير كثيرا ويربطه برؤية السادات "الله يرحمه".. إلا أن الرجل لفت إلي أن "العلاقات المصرية الإسرائيلية قائمة علي ألا نضغط علي المصريين.. من الممكن أن نطلب وهم من الممكن أن يستجيبوا.. المصلحة المشتركة الآن هي الحرب علي الإرهاب.. وكل طرف منا يريد المعركة بشكل مختلف".
ولا شك عندي في أن إسرائيل رجالها في مصر.. من بين المصريين المقتنعين بالتطبيع وفوائده.. وهذا اللوبي ينحصر في بعض السياسيين القدامي "الفلول".. ومن يسمون أنفسهم بالخبراء الاستراتيجيين.. وبعض الفنانين.. وبعض رجال الأعمال خاصة الذين يمتلكون منابر صحفية وإعلامية.. وهؤلاء جميعا ممن يسميهم الإسرائيليون "النخبة المصرية".. وهم الذين يشاركون في صياغة الرؤية الإسرائيلية الدبلوماسية تجاه مصر والمصريين.. ويروجون لفكرة "التطبيع الشعبي" و"السلام الشعبي" من خلال حواراتهم ولقاءاتهم مع الشخصيات الإسرائيلية.
ولو أحسن هؤلاء النصيحة للسفير الإسرائيلي الجديد وحكومته لقالوا لهم إن التطبيع مع المصريين مستحيل في ظل السياسات العدوانية التي تقوم بها حكومة الإرهابي نتنياهو يوميا ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المدن المحتلة.. وضد الشعب الفلسطيني الشقيق.. وان السلام "الدافئ" الذي تبحثون عنه لن تجدوه إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة - كاملة الأهلية - وعاصمتها القدس.
المسألة ليست حاجزا نفسيا يمكن أن يتم القفز عليه.. وليست حالة غضب يمكن احتواؤها بكلام معسول يرطب المشاعر.. وإنما هناك حقوق يجب أن ترد لأصحابها.. وأرض ومقدسات يجب أن تحترم.. وشعوب يجب أن تمتلك إرادتها.
أما عن المصلحة المشتركة في "الحرب علي الإرهاب" فهذا وهم في عقولكم لن ينخدع به الشعب المصري أبدا.. نحن أكثر وعيا من ذلك الخلط المريب.. المصريون يواجهون إرهابا مسلحا حقيرا في سيناء.. يقتل الأبرياء وبخرب العمران.. أما أنتم فتواجهون مقاومة وطنية مشروعة وشريفة تريد تحرير أرضها وإرادة شعبها من بطشكم وتطلقون عليها "إرهاب".. هذا هو الفرق الذي لا يمكن تجاهله.