لفت نظرى أحد مشاهد فيلم للفنان الراحل كمال الشناوى فى أربعينيات القرن الماضى وهو يتحدث مع ممثل آخر، ويقول له إن الجنيه يساوى 5 دولارات! وتندرت على ما وصلنا له اليوم من تدن لقيمة عملتنا المحلية، أدى لأزمة اقتصادية خانقة، تظهر سماتها بوضوح تام، وباتت تشعر بها الطبقة المتوسطة، التى كانت تتباهى بامتلاكها صفات التميز الاجتماعى الناتج عن وجود دخل مادى جيد منتظم، يتيح لأفرادها السكن والعيش والتعلم، فى إطار مستوى اجتماعى ما بين المعقول والجيد جدا.
ومن عقد الأربعينيات فى القرن العشرين وحتى اليوم، تباين أفراد هذه الطبقة، كما تنوعت أفكارهم ولكن اتفقت أهدافهم على أن الاستثمار فى التعليم يعنى تملك مفاتيح التقدم المغلف بطموح مفعم بالأمل، لذا تجد الإنفاق على هذا المجال فى تزايد مستمر، لاسيما فى ظل وجود تراجع ملموس فى مستوى منظومة التعليم فى بلدنا، بدأ الكثيرون فى اللجوء إلى التعليم الدولى، الذى يتميز بالمهارة والحرفية عن نظيره المحلى، ومع الارتفاع المطرد لسعر الدولار ترتفع فى المقابل كلفته، و هو غير مدعوم من الدولة على الاطلاق، وهوأمر مفهوم ومقبول، ولكن الغريب، أن تضيق الدولة الخناق بدرجة غير مقبولة فى نسبة الملتحقين منهم بالجامعات الحكومية، مبررة ذلك بأنهم يستطيعون دفع رسوم التعليم الجامعى الخاص، متناسين نقطة فى غاية الأهمية، أن أولياء الأمور قد وفروا على الحكومة عبء تعليم مدعوم، أضف إلى ذلك التأكد من جودة ودقة منظومة التعليم الدولى. بما يعنى ضرورة إعادة النظر فى لوائح وشروط التحاق أبنائنا من خريجى مدارس التعليم الدولى بالجامعات الحكومية، بإعتبارهم مصريين لهم حقوق يجب أن يأخذوها بعدما أدوا ما عليهم من جهد مضن كان ثماره التفوق، خاصة أنهم تعلموا وفق نظام تعليمى سمحت به مصر، فلماذا تشعر الحكومة هؤلاء الطلبة الطموحين لدخول كليات القمة، لاسيما المتفوقين بالغربة فى بلدهم، متشدقين، بمبررات واهية، وبشروط موضوعة منذ سنوات طويلة لم تتغير حتى الآن وكأنها قرارات مقدسة لا يمكن الاقتراب من تعديلها أو المساس بها، ومتى تدرك الحكومة أن هؤلاء المتفوقين يمتلكون طموحات تناطح السماء يأملون فى تحقيق ذاتهم من خلال الولوج إلى مستقبل مشرق، عنوانه الأمل فى بناء واقع جديد بعقول متحررة، تعلمت بطريقة مغايرة تماما للطريقة المصرية، بعيدة تماما عن نظام التلقين الذى رسخ وبكل أسف وألم للدروس الخصوصية التى تستنزف جيوب المواطنين.
طريقة تعليم بعيدة عن شبهة وجود غش بأى شكل من الأشكال، وإذا اتضح أن هناك مجرد شبهة لحالة غش يلغى الامتحان نهائيا ويعاد دون النظر لأى اعتبارات، منظومة تعليمية لا تعرف الفرق بين أبناء الكبار أو الصغار، وترسخ لفكرة بناء العقل القائم على الفهم وليس الحفظ، وكل خبراء التعليم يعلمون ويعون كفاءة التعليم الدولى وقدرته على تخريج طالب بمواصفات دولية! ثم نضع العراقيل المستفزة أمامه حال إعلانه رغبته فى دخول كليات القمة فى الجامعات الحكومية، وكأننا نعاقبه على التحاقه بنظام التعليم الدولى، بدلا من احتوائه و تقديم يد العون له!
وللتوضيح أطرح السؤال التالى على سبيل المثال، لماذا تم تحديد نسبة ضئيلة من خريجى هذه المنظومة لقبولها فى الجامعات الحكومية؟ وعلى أى أساس تم تحديد هذه النسبة ولماذا هى ثابتة ولم تتحرك منذ أن تم وضعها حتى الآن؟ أما السؤال الأكثر غرابة فهو لماذا يكون الحد الأدنى للقبول بطب القاهرة على سبيل المثال، 96% لخريجى نظام التعليم المصرى، و100% لنظام التعليم الدولى، علماً بأن الطالبين مصريان بنسبة 100%؟!
ستسمع مبررات عجيبة وغريبة، قد تفسر لك لماذا يتأخر نظام التعليم المصرى حتى احتل الترتيب قبل الأخير على مستوى العالم فى جودته، وأيضاهذا يفسر مدى بيروقراطية القائمين على منظومة التعليم فى بلدنا، كما يوضح الافتقار للتطور والخوف من الاقدام على اصدار قرارات جديدة تقدم المساواة لأبنائنا المتفوقين خريجى التعليم المحلى مع المتفوقين من خريجى التعليم الدولى.
لقد آن الأوان لترسيخ قيم تكافؤ الفرص بين الجميع دون محاباة لأحد على حساب آخر، فخريج المدارس الدولية، لم يجد تفوقه بين يديه، بل جاهد واجتهد طيلة ثلاث سنوات متتالية، حتى يحقق التفوق الذى سعى إليه وكذلك، استطاع طالب التعليم المحلى تحقيق تفوقه عبر بذل جهد خرافى، أى أن كليهما تفوق، فلماذا نفرق بينهما، و نميز خريج المحلى عن الدولى. ورغم ثقتنا جميعا بأفضلية المتفوق خريج الدولى، إلا أنه لم ولن يطالب أحد بتمييزه عن نظيره الآخر.
إلا إذا كنا لا نزال نعيش فى إطار ثقافة عجيبة مفادها أن خريجى الدولى أبناء الأثرياء، وخريجى المحلى أبناء الفقراء، وتناسينا عن عمد مقيت ومزعج، أن الطالب المتفوق خريج التعليم المصرى قد تكلفت أسرته مالياً أكثر مما تكلفت أسرة المتفوق خريج التعليم الدولى، أى أننا للأسف نجيد وضع رءوسنا فى الرمال ببراعة شديدة ملقين بالمسئولية على أولياء أمور خريجى المدارس الدولية، بدلا من شكرهم على الاستثمار فى أبنائهم من المصريين!