محمد نور الدين
التحضر والاحترام .. بالقانون
المصري في الخارج.. علي النقيض تماماً في الداخل.. بعيداً عن بلده. تراه جاداً وملتزماً.. يدبر ويفكر قبل أن يقرر.. يخضع للقوانين.. يطيع التعليمات. يتبع اللوائح بلا غضاضة.. يبذل أقصي الجهد ويقدم كامل العطاء.. ضميره حي. ذمته سليمة.. يؤدي واجباته قبل المطالبة بحقوقه.
داخل بلده.. ينقلب الحال. وتتبدل السلوكيات. وتعوج التصرفات.. يضرب بالتعليمات عرض الحائط.. يخترق اللوائح. يخالف القانون.. ينتهج الإهمال والتسيب.. يتذمر ويخرج عن النص.. يتقاعس عن الأداء والعطاء!!
في المزارات السياحية.. لا يعرف التحضر.. يلقي بالقاذورات في أي مكان.. يحطم الأطباق والأدوات.. يصيبه النهم في تناول الطعام.. وفي نهاية رحلته يترك غرفة إقامته خالية من معظم أثاثها.. الأمر الذي دفع بأصحاب الفنادق والشركات السياحية. لإغلاق منشآتهم أمام السائح المصري.. وطبعاً معهم كل الحق!!
علي الطرق العامة.. يكسر الإشارات.. يسير عكس الاتجاه.. يقف في الممنوع.. يقذف ببقايا السجائر والمشروبات من شباك سيارة.. يتسابق ويتصادم مع الآخرين بكل رعونة. ومنتهي اللامبالاة!!
في المواصلات العامة.. يحطم المقاعد. يكسر الزجاج. يخرب دورات مياه القطارات.. وأمام البنوك ودور السينما واستادات الكرة.. يرفض الانصياع والالتزام بالطوابير.. ويحاول الدخول عنوة.. ويتشاجر مع الموظفين ويعتدي علي كل من يتصدي لسلوكياته المقيتة!!
في الحدائق العامة.. ينزع الزهور. ويجرف النجيلة. يفرش الطرق ببقايا مستلزماته.. يسرف في استخدام المياه.. وفي نهاية زيارته لا ينسي توجيه الشكر للقائمين علي المكان.. بمزيد من السباب والشتائم!!
حتي المدن الجديدة.. لم تسلم من إيذائه وتخريبه.. بعضهم سرق معدات الحدائق. وحطم ألعاب الأطفال.. ونزع اللمبات والأسلاك.. وحفر الأسفلت. واحتل الأرصفة.. وسعي لاحتلال الوحدات السكنية بالقوة!!
الأمثلة ما أكثرها.. لكن المساحة لا تكفي.. والنفس لا تتحمل المزيد من الأسي والحزن.. والمختصر المفيد يؤكد أن الكثير من المصريين يخرجون عن النص في كافة المجالات. ومختلف الأنشطة. دون أن يتصدي لهم أي حسيب أو رقيب!!
صحيح التربية والنشأة لهما دور في تنقية وتهذيب السلوكيات.. لكنهما ليسا الأساس والفيصل.. فالإنسان الفوضوي وغير الملتزم داخل بلده.. هو نفسه الإنسان المطيع والمجد والمحترم.. إن خرج بعيداً عن أرض وطنه!!
الفارق والأساس.. يكمن في إعمال القانون. وتطبيقه علي الكبير قبل الصغير. والغني مثل الفقير.. ففي الخارج يدرك المصري أن هناك رقابة ومتابعة ومحاسبة صارمة.. لا مجال للمحسوبية والواسطة. ولا مكان للتقاعس والتهاون.. ولا رحمة لمن يخرج عن المألوف أو يقع في المحظور!!
أما هنا.. فالرقابة غائبة. والقانون غالباً في إجازة.. والمحسوبية تتحكم في إنزال العقاب من عدمه.. وبالتالي انتشرت الذمم الخربة. وتضاعفت أعداد الضمائر الميتة.. التي يجب إيقاظها بالعقاب الرادع. والمواجهة الحاسمة. وبتطبيق صارم للوائح والقوانين.. وإن لم يحدث ذلك بالفعل.. فلا تطالبوا أحداً بالتحضر والالتزام والاحترام.. لأنكم للأسف أخليتم الساحة أمام الفوضي والتسيب والإهمال!!