هالة فهمى
غد.. أفضل .. المسكنات.. والخط العربي!!
تشخيص المرض أولي خطوات العلاج.. ونحن في مصر نجيد التشخيص ولا نجيد العلاج ونعمد للمسكنات في غالبية أمراضنا الاجتماعية والسياسية والتربوية.. ورغم أن للمسكنات خمس درجات للتسكين إلا أننا نختار الأسوأ والأخطر والسبب انعدام الرؤية والمعرفة فأولي درجات سلم المسكنات الذي يقلل من خروج المادة الكيماوية التي تسبب الألم في مكان الشكوي.. والثاني مواد تقلل قدرة المادة الكيماوية التي تسبب حدوث الألم علي الالتصاق بالنهايات العصبية الطرفية عند مكان الألم.. والثالثة تقلل نسبة حساسية النهايات العصبية الطرفية للألم والرابعة تبطئ التدخل في مرور الإشارات العصبية والحسية الصاعدة ناحية النخاع والمخ.. أما الخامسة وهي أخطرهم وهي التي تتعامل الإشارات الحسية التي تصعد للمخ لترجمته علي الألم وبعض المسكنات تؤثر علي تلك المناطق حتي لا يترجم الإحساس بالألم وتدخل المخدرات تحت هذا البند.. فهي تغيب الإحساس في المخ.
التأثير علي المخ ومناطق الإحساس به يسمي التأثير المركزي.. والتأثير نحو الأطراف هو التأثير الطرفي والتأثير المركزي هو الذي يسبب الإدمان بعد ذلك.. حتي أن بعض الأدوية التي صنفت مخدرات كالترامادول مثلاً.. تمنع أطباء العظام من عمل جراحات للمريض الذي لا يشعر بعد فترة لا بالألم ولا مكانه ويضر به ضرراً شديداً.
عفواً للدخول في خريطة المسكنات ولكنها القياس الأمثل لحالتنا.. هناك من يلجأ للمسكنات كحلول وهي ليست بالحلول ولنأخذ قضية التعليم بل لنأخذ أحد روافدها مثالاً وهو الخط العربي والحفاظ علي هويتنا وأقول لكم كيف أننا لا نحل مع أن الحلول والعلاج أمامنا.. واسمحوا لي أن أعطي النموذج أولاً.. في شخص شاب من قرية مطوبس بكفر الشيخ وهو منصور أبوخليل.. والذي أحب الخط العربي وعشقه وتفنن فيه منذ نعومة أظافره من خلال رؤيته لبرامج التليفزيون المصري والتي كان يكتبها نقيب الخطاطين في مصر ورئيس الجمعية المصرية العامة للخط العربي الفنان خضير البورسعيدي.. هل سمع أحد شباب الفيس بوك بهذا الاسم وانظروا معي دلالة القصة برنامج معني بثقافتنا العربية وخط لغتنا القومية.. أين هذا من نفسنة وبرامج التوك شو التي قتلت ليس المبدع في المشاهد بل الإحساس فهذه من مسكنات الدرجة الخامسة!!
نعود لمنصور بوخليل ابن قرية مطوبس والذي شب علي فكرة الكتابة والإبحار في عوالم الخط العربي فأخذ ينظر في لافتات الإعلانات باحثاً عن أسرار الحرف العربي وروعته وظل يتعلم حتي أصبح خطاطاً ماهراً وممارساً لفن الخط وعمل مدرساً للتربية الفنية وشارك في معارض محلية وقرر هذا الفنان الذي أحب لغته وعشقها أن يكرر بل يتفوق علي من تعلم منهم د.مصطفي خضير ومحمد الجوهري الفنان السكندري الكبير.. بل وضع حلمه وهو كتابة المصحف الشريف في لوحات خط عربي كما كتبه كبار الخطاطين في العالم.
نعود للفكرة الأساسية وهي تلك التجربة الجميلة والتي لم تتوقف عند حدود نفسه بل قرر أن ينقل علمه وموهبته للأطفال والشباب من خلال ورش تعليم مجانية.. هذا الجهد الفردي الرائع يجب أن ننحني له. وندعمه بينما الدولة ممثلة في وزارة ما كان يسمي بالتعليم مشغولة بضخ مسكنات الدرجة الخامسة حتي أصبحنا علي شفا حفرة في جحيم الجهل.. فبعض المدرسين في قمة هرم البذاءة يعلمون أولادنا الانحطاط والبعض مازال جاهلاً يحتاج للعلم والبقية ممن رحم ربي مرتباتهم لا تكفيهم فيركضون خلف الدروس لسد رمق العيش.. التعليم يا سادتي هو البداية وليتنا نتعامل مع القضية بمبضع جراح لا مسكنات الدرجة الخامسة وأياكم واللغة وضياعها فإن ضاعت ضعتم وضعنا!!