الأهرام
جمال زهران
الحضور المصرى السورى فى لقاء بوتين ـ أردوغان
التقى الرئيس الروسى خلال الأيام الماضية (فلاديمير بوتين)، الرئيس التركى (أردوغان) فى الكرملين بموسكو، فقد كانت روسيا هى أول محطة خارجية يسافر إليها الرئيس التركى،
فى الوقت الذى طالب فيه جماهيره بالمكوث فى الشوارع لحراسة السلطة من أن ينقض عليها أحد وتفاديا لتكرار انقلاب آخر، بعد الانقلاب الذى استمر (5) ساعات لتعود الأمور إلى ما كانت عليه، ويمارس القبضة الحديدية على كل فعاليات شعبه ورموزه، وفى المقدمة الجيش والشرطة والقضاء. ولاشك أن لهذه الزيارة العديد من المعانى، لعل فى مقدمتها الموقف الروسى خلال ساعات الانقلاب الذى اتسم بالهدوء والرزانة وعدم التسرع والاستعجال، بل كان حريصا على استيعاب ما حدث واحتوائه تفاديا لأى تداعيات قد تكون سلبية فى حال تصعيد الأمور، ضد روسيا ومصالحها، وبالتالى فإن روسيا ـ بوتين استغلت الحدث واستثمرته فى احتواء أردوغان عند عودته، لأنها لم تظهر أى تأييد للانقلاب أو الصمت الذى قد يعكس التورط.

فقد كانت العلاقات الروسية التركية قبل الانقلاب تسير فى طريق المصالحة الشاملة، حيث الاعتذار التركى عن سقوط الطائرة الروسية ومقتل أحد طياريها بفعل تركى، وإبداء التفاهم بخصوص الشأن السورى والحرص الروسى على إلزام تركيا بالمشاركة فى تدمير داعش، أو على الأقل التحكم فى الحدود التركية السورية، بحيث يوقف سيل المتدفقين من الارهابيين على سوريا سعيا نحو حسم الأمر فيها. وقد كان كل التطور الحادث فى هذه العلاقات بين البلدين، معرضا للتوقف، ولذلك فإنه تتويجا لهذا التطور، والموقف الروسى الرصين والعقلانى تجاه الانقلاب، كان دافعا على التعجيل بهذه الزيارة لتكون أول زيارة يقوم بها أردوغان لروسيا.

ـ وبمتابعة مضمون المحادثات والاتفاقات التى كشفت عنها تقارير المراسلين من هنا وهناك، ينكشف أن التركيز اتجه إلى ما يجرى فى المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما، وفى المقدمة الأزمة السورية ومواجهة الارهاب، وكذلك مصر فى صراعها مع الإرهاب ومواجهة جماعة الاخوان الارهابية التى يساندها أردوغان ونظام حكمه، ويحتضنهم ويمولهم حتى أصبحت تركيا منصة لهم سياسية وإعلامية واقتصادية، ومن ثم فقد كانت كل من سوريا ومصر فى قلب المحادثات والاتفاقات بين بوتين وأردوغان، وبتحليل الموقف الروسى إزاء فرض أجندة معينة على أردوغان فى هذا اللقاء، يتضح أن روسيا أضحت وهى تمتلك نفوذا كبيرا فى كل من سوريا ومصر، فقد أصبحت روسيا الفاعل الرئيسى فى ادارة الأزمة السورية وصاحبة القول الفصل فيها، وأصبح لها وجود حقيقى على الأرض، وشريكا أساسيا للنظام السورى فى مواجهة الارهابيين، وتفاديا للمزيد من الوقت والجهود والاستمرار فى أزمة بلا جدول زمنى قد تطول، فإن احتواء تركيا لتقليم أظافر التأثير فى دعم استمرار الأزمة عن طريق دعم الارهابيين بدلا من مجابهتهم، يصبح أمرا ضروريا، ولاشك أن هذا الاحتواء قد يأتى بنتائج ايجابية على خلفية أن تركيا هى من أكبر الداعمين للارهابيين تمويلا، وتهريبا لهم للدخول لسوريا، بالأصالة عن نفسها وفقا لأجندتها وبالوكالة عن أمريكا وأوروبا الذين يتظاهرون بمقاومة الارهاب، على حين يسمحون للوكلاء بدعم الارهابيين وفى مقدمتهم المسمون بـ «داعش».

ولذلك فإن ما يحدث فى مصر، هو امتداد لما يحدث فى سوريا، حيث الارهاب المستمر والتآمر الغربى على مصر، والتصعيد التركى بدعم جماعة الاخوان الارهابية، وهو وصف بحكم القضاء وبحكم الفعل فى الأرض وباعترافهم، وإن كان الأمر قد يبدو بصورة مختلفة ظاهريا إلا أن الواقع يؤكد التلازم والمضمون، لأن مصر كانت هى المحطة التالية لسوريا، وكلاهما لم ينجحا ولن ينجحا. فروسيا تمتلك نفوذا الآن فى مصر من واقع تطور العلاقات الايجابية بين روسيا ومصر فى كل المجالات، ولعل دعم مصر أخيرا بمنظومة الرادار على مستوى الجمهورية لتأمين الطيران وتفادى حوادث الارهاب وتكرارها، واتفاقية المشروع النووى، والدعم العسكرى وغير ذلك، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك فى أن محادثات بوتين ـ أردوغان، كان فى القلب منها مصر وسوريا. فروسيا تريد أن تحافظ على مكتسباتها فى الاقليم (عربى وشرق أوسطى)، ومن ثم فإن تدعيم العلاقات وتقريب المسافات بين الأطراف شىء مهم للغاية... فلروسيا أيضا علاقات وثيقة مع إيران، وحدوث ذلك مع تركيا، واحتمالات ذلك مع اثيوبيا المدعومة أمريكيا واسرائيليا، قد يكون لذلك ظلاله على إعادة رسم الخرائط فى الاقليم وسط الانشغال الأمريكى بالانتخابات الرئاسية حتى نهاية العام. ولذلك فإن مخرجات أردوغان مؤخرا بعد الزيارة تكشف بجلاء عن أفعال على الأرض فى غلق الحدود التركية مع سوريا ووقف إمداد الارهابيين، بل والمشاركة فى مجابهتهم، وكذلك أحاديث طيبة عن مصر لتحسين العلاقات، وعلينا قراءة أكثر عمقا لما حدث فى الكرملين بين بوتين وأردوغان لتفهم ما جرى ويجرى وما سيجرى فى اقليمنا العربى الشرق أوسطى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف