الجمهورية
جلاء جاب اللة
الحرب علي المؤسسات الصحفية القومية
** تبدو الضربات الموجهة للمؤسسات الصحفية القومية مؤخراً. وكأنها محاولات لتغيير بعض قيادات تلك المؤسسات أو قيادات المجلس الأعلي للصحافة برغم أن التغيير قادم قادم.. وأنه أمر لابد منه.. ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير.. بل إن الصورة بدأت تتضح من أن هناك أصحاب مصالح اتفقوا فجأة ــ دون اتفاق مسبق ــ علي شن تلك الحرب. مع اختلاف مصالحهم. وتباين أهدافهم.. لكن النتيجة النهائية هي الحرب ضد تلك المؤسسات.
وهناك عدة حقائق أتمني أن نناقشها بهدوء وهي:
أولاً: هذه المؤسسات ملك للدولة. وأكد الدستور استقلاليتها. وحرص علي حمايتها.. وبالتالي فإن أي محاولة لتخصيصها أو بيعها لأحد لن تحدث. وكل محاولات تحطيم تلك المؤسسات أو بعضها لتكون لقمة سائغة لبعض المتربصين. والذين يريدون شراءها. لن يتم أبداً إن شاء الله.. ولن يستطيع أحد تحويلها من مؤسسات قومية إلي خاصة.
ثانياً: الإبقاء علي تلك المؤسسات ودعمها وإعادتها إلي سابق عهدها. بل وتطويرها تكنولوجياً لتتوافق مع العصر. ضرورة وأمن قومي.. وقد أكدت الأحداث أن هذه المؤسسات هي الدرع الإعلامي الواقي للدولة.. وليس للنظام.. وأنها هي أساس كل عمل إعلامي في مصر. وليس صحفياً فقط.. وأن هذه المؤسسات أحد الأعمدة الفقرية لقوة الدولة ولا غني عنها.
ثالثاً: تطوير المؤسسات وإقالتها من عثرتها ضرورة قومية. وأزماتها ليست وليدة هذه الأيام.. بل إن إدارات هذه المؤسسات تتحمل كشف حساب إدارات قبل عام 2006. وبعد عام 2011 بكل ما فيها وما لها وما عليها.
رابعاً: المجلس الأعلي للصحافة قام بدور كبير في حماية استمرار هذه المؤسسات وتوقف أزماتها. بل والبدء في خطط تطويرية. كان ضعف أو غياب التمويل اللازم هو سبب عرقلتها الوحيد.
خامساً: قانون الصحافة والإعلام سواء كان موحداً أو علي أجزاء. جاهز منذ أكثر من عام. ولا مبرر نهائياً لعرقلته. والدخول في متاهات قانونية ودستورية أخري.. فالدستور واضح وألزم النواب بقوانين دستورية تتفق مع نص الدستور. فلمَ التأخير؟!.. وما هي أسباب تعطيل هذه القوانين الدستورية والبحث عن قوانين تخالف الدستور نصاً وروحاً؟!.. وإذا كانت هناك رغبة ملحة لدي طرف ما أو جهة ما في التغيير. فالدستور واضح والقانون جاهز منذ عام. ويمكن أن يناقش مجلس النواب هذا القانون أو حتي جزءاً منه. خاصاً بالهيئات وتشكيلها فوراً. فهناك مواد خاصة بقانون الهيئة الوطنية للصحافة. فلماذا لا تتم مناقشتها فوراً. وتشكيل الهيئة فوراً لإحداث التغيير. وتعيين قيادات جديدة لتلك المؤسسات بدلاً من هذه الحالة غير الطبيعية التي يحاولون زج المؤسسات إليها. وهي حالة التغيير واللا تغيير.. حالة من الترقب والقلق و"عبده مشتاق"؟!
سادساً: الدعم الذي حصلت عليه المؤسسات القومية وتبالغ بعض الجهات في أرقامه بإضافة بدل التكنولوجيا والمعاشات ومكافأة نهاية الخدمة إليه لإظهاره رقماً كبيراً.. هذا الدعم حق للمؤسسات لعدة أسباب أهمها أنه بعد 2011 حدثت حالة من التراجع الاقتصادي الكبير لعدة قطاعات في الدولة. وكان لزاماً دعمها مثل شركات الحديد والصلب والغزل وغيرها. وقطاع الصحافة القومية أحد القطاعات التي تأثرت بهذه الأحداث. ومن واجب الدولة دعمها لإقالتها من عثرتها والتغلب علي آثار تلك المرحلة. ناهيك عن أن حالة الفوضي والبلطجة بعد 2011 تسببت في دخول آلاف العاملين تلك المؤسسات بحق وبدون حق. وأصبحت عمالة زائدة.. وأصبح موقف هذه العمالة قانونياً ولا مجال للاستغناء عن أي عمالة زائدة في الدولة. مما أدي إلي أن تكلفة العمالة في هذه المؤسسات زادت علي الدخل.. وأعتقد أن تلك الأزمة حالة مصرية خالصة 100%. ليست في المؤسسات وحدها. ولكن في معظم القطاعات التي تملكها الدولة.
سابعاً: لم يذكر قرار واحد للدعم أن هذه الأموال مخصصة للتطوير.. بل معظمها كان مخصصاً لتكلفة العمالة.. أي مرتبات وأجور لبعض المؤسسات التي تعاني بشدة من ضعف الإيرادات.. أو حوافز ومنح. وتغطية فارق المرتب لمؤسسات أخري معاناتها أقل نسبياً.. ومع ذلك فإن عدة مؤسسات ومنها دار التحرير للطبع والنشر "الجمهورية" خصصت جزءاً من هذه الأموال للتطوير.. خاصة في مجال الطباعة. حيث أصبحت ماكينات الطباعة قديمة. ولم تنلها يد الصيانة والاهتمام لعدة سنوات بعد ..2011 وكذلك مجال الإعلانات والتوزيع. والتي كانت تعاني بشدة من الديون. وعدم التطوير.. كما حاولنا تطوير بعض الأصول لاستغلالها بشكل أفضل.
ثامناً: هذه المؤسسات القومية تملك مقومات النجاح والانطلاق والتميز. ولديها رصيد من النجاح وأصول نستطيع أن تنتطلق بها. ولكن عندما تزيل الدولة المعوقات التي تواجهها. وأولها تحميل تلك المؤسسات أخطاء ما قبل 2006. حيث لم تكن الدولة تحاسب هذه المؤسسات. ولا تطالبها بشيء.. وفجأة. وبعد أكثر من عشر سنوات تطالبنا بما كان يجب أن تطالب به إدارات تلك المؤسسات من فترات طويلة.. وهكذ ا تحمل المؤسسات أخطاء ــ وأحياناً خطايا ــ سنوات سابقة تجاهلت الدولة فيها محاسبة أحد في المسئولية. بل كانت تدفع دعماً غير مباشر أكثر مما تدفعه الآن بشكل مباشر سواء من خلال الإعلانات الحكومية التي تناقصت إلي 10% فقط. مما كانت عليه قبل 2011. أو من خلال مؤتمرات ومهرجانات مدفوعة.. وعدم محاسبة المؤسسات سواء في الضرائب أو الجمارك. أو غيرها.. ثم تأتي الآن لتطالبنا بحساب سابق. لم تطلبه من قبل.. مع إيقاف الإعلانات.
أضف إلي ذلك أنه لم يتم فتح ملف واحد للفساد. إلا ملف هدايا الكبار فقط!!
تاسعاً: من حق الوزارات والمحافظات وكل من له حق لدي هذه المؤسسات أن يطالبها الآن بسداد ما عليها من ديون تراكمت أعوام 2012. و2013 إلي بعد ثورة 2011. ولكن علي الدولة أن تجعل السداد من خلال أقساط وجدولة مقبولة لمدة 10 أو 15 سنة. لأن الإنتاج الآن بشكل عام ضعيف. وهو ما يحدث في كل مجالات الإنتاج في مصر لأسباب عديدة.. ولكن عندما تتعامل تلك الجهة بشكل مبالغ فيه مع المؤسسات. فإنها لا تمنحها فرصة العمل والإنتاج لسداد الديون. ناهيك عن بقية احتياجاتها العاجلة.
عاشراً: بعد هذا الاستعراض السريع نعود للسؤال الأساسي: لماذا هذه الحرب الآن علي تلك المؤسسات؟!.. هل من أجل التغيير؟!.. أعتقد أن التغيير لا يحتاج لإعلان حرب من كل هذه الجهات. لأنه يمكن مناقشة القوانين الخاصة بتشكيل الهيئات الدستورية الموجودة بوضوح في الدستور. ويتم ذلك خلال أقل من شهر.. وتقوم تلك الهيئات بالتغيير فوراً!!
هل هناك نية لبيع أو خصخصة بعض تلك المؤسسات؟!.. وإذا كانت هناك نية. فمن هو صاحب الحظ الذي تهيأ له تلك الصفقة؟!
لقد فشل القطاع الخاص في دخول هذه الصناعة بشكل حقيقي.. فالصحف الخاصة ــ ومع احترامي الكامل لها ــ تطبع في مطابع المؤسسات القومية. وتوزع في شركات توزيع تابعة للمؤسسات القومية.. أي أنها لا تمارس صناعة الصحافة.. بل تمارس إصدار صحف من شقق أو حتي عمارات خاصة. لكنها لا تملك مبني أو أكثر خاص بالمؤسسة.. ولا تملك مطبعة.. ولا تملك شركة توزيع.. أي لا تملك مقومات صناعة الصحافة.. فهل هذا هو ما يسعي إليه البعض من خلال تلك الحرب علي المؤسسات؟!
إن الأمن القومي المصري ضد هذا الاتجاه تماماً لأن صناعة الإعلام المصري باعتباره السند الحقيقي للدولة ــ وليس النظام ــ يجب أن يكون مملوكاً للدولة في أكبر حجم وتأثير له.. من خلال المؤسسات القومية والإذاعة والتلفزيون. ووكالة الأنباء الرسمية.. وأن تعود هيئة الاستعلامات لدورها الإعلامي الخارجي بشكل صحيح.. وإتاحة الفرصة أمام الإعلام الخاص ليعمل بحرية جنباً إلي جنب مع هذه المؤسسات المملوكة للدولة.
لقد أثبتت التجربة أن الجيش المصري الوطني كان المنقذ لنا في قضايا مدنية تماماً إلي جانب دوره الوطني في حماية الوطن.. فحمي الوطن والمواطن.. وهذه المؤسسات المملوكة للدولة. لا يقل دورها في مجالها عن دور الجيش في مجالاته التي حمي فيها مصر والمصريين.. لذلك نري التلاحم حقيقياً بين مؤسسات الإعلام الوطني. خاصة المؤسسات القومية والإذاعة والتلفزيون مع الجيش. لأنهم درع واحد يحمي الوطن كل في مجاله.
أعرف أن هذا المقال لن يوقف الحرب علي المؤسسات القومية الصحفية.. وأعرف أن هناك من سيحاول الصيد في الماء العكر. ويحاول اجتزاء كلمات قلتها هنا لاستمرار الحرب.. ولكن كان ضرورياً أن نواجه هذه الحملات المشبوهة. ضد الصحف القومية.. لأن الأمر أصبح واضحاً وهناك أهداف وراء تلك الحملات لابد أن نكشفها.
هذا بلاغ لمن يهمه الأمر.. اللهم فاشهد!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف