على هاشم
علي الحكومة أن تبدأ بنفسها
* لا تزال عصابات الإرهاب المتأسلم ومن لف لفهم من الطامعين في مصر يراهنون علي كسر إرادة الشعب المصري بحصاره اقتصاديًا. والتشكيك في منجزاته بعد 30 يونيو. ونشر الإحباط واليأس في نفوس الناس. ودق الأسافين بين فئاته المختلفة بترويج شائعات من شأنها إثارة الغضب والحنق والاحتقان بين سواده الأعظم الكادح الذي يعاني صعوبات الحياة ومشقة الغلاء وتراكمات السنين.
* يسعي الطامعون في مصر. المناهضون لها. حثيثًا لأجل تفكيك الجبهة الداخلية. واللعب علي أوتار الفتنة الطائفية تارة. والوقيعة بين الشعب وجيشه من ناحية ثانية بالتشكيك في جدوي التسليح وشراء أحدث الأسلحة المتطورة للحفاظ علي استقرار المنطقة العائمة فوق بحر من الفوضي والاضطراب .. أو الوقيعة بين الشعب وبعض فئاته. مثل القضاة ببث شائعات مغرضة عما يتقاضونه من رواتب ومكافآت. وما يتم من تعيينات لأبنائهم في سلك القضاء. وما يثيره ذلك من احتقانات اجتماعية.
* ومن ثم فلا عجب أن نجد حملات منظمة ضد مؤسسات الدولة في مصر. تديرها أجهزة مخابرات تجند الطاقات ووسائل الاتصال ومواقعه الاجتماعية في إشاعة أجواء ضبابية حول الاقتصاد ومستقبله. والمشروعات القومية وجدواها. وأداء الحكومة وأخطائها. والفساد ووقائعه.. وغيرها من القضايا التي تلقي آذانًا صاغية من البعض الذي ينفخ فيها تهويلًا ومبالغة في سوءاتها .. وهذا ما حذر منه الرئيس السيسي مرارًا وتكرارًا. مؤكدًا أن الشعب ما دامت جبهته الداخلية موحدة علي قلب رجل واحد فلن يضره إذا اجتمعت الدنيا كلها ضده.
* هز الثقة في مؤسسات الدولة. وفي القيادة هدف رئيسي للمتآمرين ضد مصر. لا يعدمون حيلة. ولا وسيلة في ذلك. لكنهم يغفلون أن هذا الشعب واعي بفطرته. مؤمن بجيشه وعقيدته. وقد خاض المعارك تلو المعارك.وقدم آلاف الشهداء علي مر تاريخه ولا يزال يدافع عن ترابه بعزيمة لا تلين. وإيمان لا يتزعزع. واثقًا في جيشه الذي يخوض معارك ضارية متفانيًا مع الشرطة المدنية في سيناء ضد إرهاب خطط له الإنجليز والأمريكان وزرعه الإخوان أيام حكمهم. واهمين بأن هؤلاء الإرهابيين يمكن أن يكونوا نواة لما يزعمون أنها ¢ دولة إسلامية ¢ في شبه جزيرة سيناء.
* لقد أدركت قوي الشر منذ زمن بعيد أن ضرب العالم العربي وتفكيك دوله وتقسيمها لن يتحقق إلا عبر استغلال الدين. واستقطاب شبابه بأفكار وأسانيد مغلوطة. واستخدامهم وقودًا ودروعًا بشرية في معارك خاسرة تفني الأوطان. وتهلك الحرث والنسل. ولا تفيد إلا أعداء الأمة والبشرية جميعًا.
* ولا يزال التاريخ حافلاً بالعبر والدروس والوقائع الدامغة ..فهل ننسي مثلاً أن جماعة الإخوان هي أصلاً من نبت المخابرات البريطانية .. حيث نشأت تحت بصرها ومباركتها .. ولهذا فلا غرابة أن تدافع عنها اليوم إنجلترا وأمريكا اللتان تحاولان باستماتة إعادة ¢ الجماعة ¢ إلي مياه الحياة السياسية في مصر وغيرها ..كما فتحت الأولي ذراعيها لعناصر تلك الجماعة مانحة إياهم حق اللجوء السياسي كطوق نجاة من المحاكمة القضائية العادلة التي تطالهم جراء جرائمهم التي ارتكبوها في أعقاب صعود الجماعة إلي الحكم حتي تمت إزاحتهم عن الحكم بثورة شعبية هائلة ..ولا تزال أمريكا وتركيا وبريطانيا وقطر تحتضن الجماعة. وتقدم لها كل الدعم في وقاحة سياسية لاستكمال مخطط بدأ منذ عام 2004وربما قبله لتمكن الإخوان من حكم مصر. حتي إذا دانت لهم الأمور انخرطوا في خدمة أسيادهم وردوا لهم الجميل علي حساب الدول العربية التي لا تؤمن الجماعة بشيء اسمه ¢ السيادة ¢ ولا المواطنة ولا الانتماء إليها.
* ومن لا يرد أن يري مثل هذا التآمر وذاك المخطط فهو إما علي قلبه غشاوة أو جاهل أو غافل أو متآمر .. فبم نفسر ما يحاك ضد مصر من حملة إعلامية شعواء تديرها مجلة الأيكونوميست الاقتصادية الشهيرة. وتشاركها وسائل إعلام غربية أخري. بهدف الشوشرة علي إنجازات الرئيس السيسي والنيل منه. وإشاعة الشعور بالتشاؤم من المستقبل. مدعية أن ثورة 30 يونيو انقلاب. وأن السيسي حاكم غير ديمقراطي يسير بالبلاد إلي الخراب. مطالبة إياه بألا يترشح لفترة رئاسية أخري .. ولا أدري كيف لمجلة اقتصادية بالأساس أن تقحم نفسها في شئون مصر السياسية. وأن تترك تحليل الاقتصاد وأرقامه واتجاهاته إلي القفز فوق إرادة الشعب المصري ورئيسه ومصادرة حقهما ـ أي الشعب والرئيس ـ في تقرير مصيرهما في الانتخاب والترشح. كحق دستوري أصيل لا يحق لأحد مهما يكن أن يملي عليهما إرادته أو يدس أنفه فيه .. أليس ذلك إغراضًا ودورًا مشبوهًا.. أهذه هي الديمقراطية التي يتشدق بها الغرب نخبته وقادته..ألم ينتخب الشعب المصري رئيسه بأغلبية غير مسبوقة ولا تزال فترته الرئاسية في منتصفها .. ولم استباق الأحداث وتصدير صورة قاتمة لأوضاع مصر السياسية والاقتصادية .. وهل هي مصادفة أن يخرج علينا في التوقيت نفسه وسائل إعلام غريبة ك "النيويورك تايز"الأمريكية عميقة الصلة بدوائر الحكم هناك وأعوان أمريكا هنا وهناك ليعزفوا النغمة ذاتها ويرددوا الأباطيل والحجج الواهية نفسها.. فها هو عصام حجي موظف ناسا يطالب بتشكيل مجلس رئاسي يختار شخصية ما لخوض الانتخابات الرئاسية في 2018 وهو المطلب ذاته الذي يتبناه عبدالمنعم أبوالفتوح. وقد دخل سعد الدين إبراهيم علي الخط زاعما أن شعبية السيسي تتراجع. داعيا إلي ترشح حسام بدراوي أو مصطفي حجازي لانتخابات الرئاسة القادمة.. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل خرجت مقالات هنا وهناك تندد بالأوضاع في مصر رغم إدراك هؤلاء وأولئك أن قدرات مصر الاقتصادية أصابها الضعف جراء حروب متتالية فرضت علينا. وتأجلت بسببها. ولأسباب أخري. إجراءات اقتصادية إصلاحية صعبة لكنها كانت لازمة في وقتها. وهي اليوم أوجب خصوصا بعد التداعيات الخطيرة لثورة يناير. وما تبعها من فوضي وتوقف في الانتاج. وتآكل قدراتنا الاقتصادية. والشلل التام في مواقع الانتاج ومنابع الدخل. الأمر الذي حدا بالرئيس السيسي إلي اللجوء للدواء المر ولو علي حساب شعبيته. حيث أعلن علي الملأ أثناء افتتاح أحد المشروعات الكبري بالإسكندرية أنه لن يتواني لحظة عن إصدار قرارات صعبة لإصلاح الاقتصاد وعبور مصر لأزماتها. مقدما صالح الوطن علي ما سواه. مراهنا علي فقراء مصر قبل أغنيائها.. فهم أهل هذا الوطن وقوته الفعلية.. هم آباء الشهداء وإخوتهم.. أول من اكتوي بنار الارهاب. وأضيروا في أولادهم وأرزاقهم ومستوي معيشتهم.
كثير من هؤلاء الفقراء لا يشعرون بالرضا عن أحوالهم بل ولعلهم غاضبون مما يجري وينتظرون من الحكومة أفضل مما هي عليه. كانوا يرجون من الحكومة قبل أن تطالبهم بربط الحزام أن تسبقهم هي إلي التقشف وتقليل نفقاتها وبذخها فلا يعقل أن يحتفظ كل وزير لنفسه بأكثر من سيارة ومستشار.. ولا يعقل أن تظل الصناديق الخاصة كما هي بلا تفعيل أو ترشيد أو رقابة حقيقية. وأن يبقي الحدان الأدني والأقصي مثار لغط وبلا تطبيق حازم للقانون. يضع الأمور في نصابها الصحيح. ويحل كثيرا من مشاكلنا.
كان حريا بالحكومة قبل أن تطالب المواطن بالتقشف أن تكون هي قدوته في ذلك.. وأن تعفي مثلا كل من يقل استهلاكه من الكهرباء عن 250ك. وات من أي زيادة جديدة. وأن تتدرج الزيادة مع الشرائح الأخري بما يراعي ظروفهم.. وأن تزداد صرامتها في مواجهة جشع التجار والاحتكار والفساد.
بعد ثورتين كبريين رفعتا سقف أحلام المواطن لحدود غير مسبوقة كان علي الحكومة أن تتحري تطبيق شعار العدالة الاجتماعية مع العيش والحرية. وأن تزيد جرعات التواصل الفعال مع الناس حتي يتفهموا دوافع صاحب القرار فيما يقدم عليه اليوم مضطرا كي نجني ثمرات ما غرسه من إصلاحات.. أما الحرية فتحقيقها في الواقع رهن بالاستقرار والأمن واجتثاث الإرهاب من جذوره.. فلا حرية للخائفين.. أما حرية الرأي والتعبير فسؤالي للمتباكين عليها: هل رأيتم مصادرة لرأي أو منعا لكاتب أن يعبرعن رأيه.. أما شعار العدالة الاجتماعية والعدل المنشود فقد آن الأوان لتحقيقه واقعا. شريطة أن يؤدي كل منا واجبه كاملا تجاه وطنه. فلن يكون مستقبلنا أفضل إلا بتكاتف الجميع لعبور هذه المرحلة الصعبة.
وقد وعد الرئيس بترشيد الدعم وإيصاله لمستحقيه. فليس مقبولا أن يزاحم الأغنياء الفقراء عليه. وأن يشاركوهم فيه. وأن يحصلوا ــ رغم عدم استحقاقهم ــ علي الخبز والسلع التموينية.. الأمر الذي يتطلب حوارا مجتمعيا جادا تديره قوي المجتمع المدني. أحزابه ونخبته وإعلامه. لوضع معايير وأسس عادلة لإدارة ملف الدعم.. وعلي الاعلام أن يتجنب الخوض فيما يشيع الاحباط. وأن ينأي عن التماهي مع موقف الإخوان والغرب الهادف إلي تقزيم دور مصر. وتشويه صورتها أمام العالم. وليت هؤلاء المزايدين يستقون معلوماتهم من مصادر موثوقة وليس من الأناضول التركية أو صحف الغرب وفضائياته ومواقعه الالكترونية التي ترسم المشهد وفق أجندات تلك الدول ومصالحها التي تتقاطع حتما أوتعارض مع مصالح مصر.
وسؤالي إلي رجال الأعمال الوطنيين الذين دعاهم الرئيس ذات يوم للإسهام في تنمية الوطن. والأخذ بيده كواجب اختياري لا إجبار فيه.. ألم يحن الوقت لرد جميل وطنكم عليكم.. ألم يسمح لكم الوطن بجمع الثروات وإنشاء المصانع والشركات.. ألم يمنحكم المزايا والفرص.. فإن لم يكن ذلك وقت العون فمتي تردون له الجميل..؟
هذا وقت الاصطفاف والتكاتف لمواجهة خطر قائم وداهم.. اليوم وقت تنفيذ المبادرات والأفكار الخلاقة.. فلماذا لا ننفذ أفكار طرحها رجال أعمال وخبراء في بداية لقاءاتهم بالرئيس.. فثمة من طرح فكرة تطوير منطقة عشوائية بصورة كاملة. ومن اقترح بناء مصانع ومحطات كهرباء أو استصلاح أراض لتحقيق الأمن الغذائي.. وثمة من اقترح ضريبة تصاعدية أو ضريبة علي الثروة أو تحصيل متأخرات الضرائب. أو فرض رسم تنمية علي الدخول المرتفعة.. هذه أفكار من خارج الصندوق تحتاج لابتعاثها. وتنفيذها طواعية وبلا وصاية حكومية.. فالفقراء الجياع طال انتظارهم. ولن يطول صبرهم ولهم حق معلوم في أموال الأغنياء الذين عليهم كفالة الفقراء. ومساعدة الدولة في إنقاذهم والطبقة الوسطي من الغلاء والظروف الصعبة حتي لاتلتهم ثورة بطونهم الأخضر واليابس.. هذا أوان استعادة الوطن من براثن الإحباط والتشاؤم ودعاوي اليأس.. الكل في مركب واحد إن نجت نجونا جميعا.. وإلا فالبديل أخطر مما تتصورون..؟!