لا أدري لماذا نعيب علي الإخوان وبقية جماعات وفصائل التيار الإسلامي أنهم يضفون علي أنفسهم قداسة ويعتبرون كل ما يقولون به هو الحق وما يقول به غيرهم هو الباطل. بينما نحن نفعل ذات الشيء.. لا نقبل أن نسمع أو نقرأ شيئا يخالف ما نعتقده أو نقوله. ونري أننا وحدنا الذين نحتكر الحقيقة وما عداه الكذب بعينه!
نحن أيضا نمارس التطرف ليل نهار.. كل أنواع التطرف.. ديني.. سياسي.. اجتماعي.. فكري.. وذلك عندما نعتبر كل من يخالفنا في الرأي أو التفكير خصم أو عدو لنا يجب سحقه والقضاء عليه بعد التشهير به وتجريسه والطعن في شرفه ووطنيته وقدراته وفي كل ما يعنينا في الإجهاز عليه.
نحن لا نقبل الآن إلا بما نقوله نحن فقط.. كل منا يري أنه وحده دون غيره هو الذي يملك الصواب. وهو وحده الذي يقول الحق. وهو وحده الذي يحوز الحقيقة.
انظروا حولكم في أرجاء المجتمع سوف تتأكدون من ذلك. أو بالأصح سوف تصدمون به إن كان لديكم بقية من قبول الآخر وليس حتي احترامه كما تفرض علينا ذلك مقتضيات المواطنة الحقة التي تعني المساواة بين الجميع رغم اختلافهم في الجنس والدين والعقيدة والانتماء الاجتماعي والعرقي والجغرافي. أي إننا رغم اختلافنا وتنوعنا متساوون ولنا ذات الحقوق وعلينا ذات الواجبات. وأن هذا الاختلاف والتنوع ضرورة.
فلا يوجد جدال نخوضه الآن أو مناقشات إلا وكل أطراف هذه المناقشات يتخندقون في خنادق أو يختفون وراء دروع من صنع عقولهم. لأنهم متمسكون ومصرون علي أن ما يقولونه هو الحق والحقيقة وما دون ذلك باطل وأكاذيب.
إننا نضفي علي ما نقوله قداسة بدورنا من نوع آخر.. غير دينية ولكن قد تكون سياسية أو وطنية أو علمية حتي نظل نرفض مجرد التفكير فيما نسمعه من الآخرين لعلنا نجد فيه شيئا مقبولا أو مستساغا أو صحيحا.. فماذا نسمي ذلك غير التطرف؟
التطرف ليس دينيا فقط. ولكنه يصطبغ بسمات وصفات عديدة ومتنوعة.. وقد وقعنا للأسف الشديد في براثن التطرف.. نحن نتطرف في كل شيء.. نتطرف في المعارضة ونتطرف في التأييد.. ويقودنا للأسف الشديد إلي ممارسة العنف.. ربما عنفنا في معظمه حتي الآن لفظي. ولكنه - وهذا هو الخطر - مرشح لأن يصير مستقبلا عنفا غير لفظي أو يتحول إلي عنف بدني.. بل لعله تحول أحيانا إلي ما نحذر منه.. وهذا ما نشاهده حتي من شباب الألتراس ومشجعي الكرة.. ولعلنا مازلنا نتذكر ما حدث لمدرب الأهلي مؤخرا ومحاولة الاعتداء علي أتوبيس لاعبي فريق كرة القدم بعد أن تعرضوا لهزيمة وخسروا بطولة الكأس والتعادل في تصفيات الكأس الأفريقية.. وهكذا العنف اللفظي الذي تمتلء به مواقع التواصل الاجتماعي أصبح خارج العالم الافتراضي إلي عنف بدني.. وهذا أمر يجب أن يتوقعه.. فإذا كان التطرف الديني يقود إلي القتل والحرق والتدمير والتخريب فإن التطرف الآخر غير الديني يقود إلي عنف مشابه بالطبع.
إذن.. لا فرق بين سلوكنا المتطرف حياتيا وبين سلوك هؤلاء المتطرفين دينيا.. التطرف يجمع بيننا. والاستعداد لممارسة العنف يجمع بيننا أيضا.. ونم يريد دليلا فليتذكر فقط كل حوادث العنف التي حدثت في بلدنا خلال السنوات الخمس الأخيرة. ابتداء من عملية اقتحام السجون وأقسام الشرطة ومرورا بحوادث ماسبيرو ومحمد محمود الأولي والثانية ومجلس الوزراء وستاد بورسعيد وحتي محاولة قتل عدد من الشخصيات المختلفة والمتنوعة التي لا يجمع بينها شيئا ومثل رئيس نادي. ومستشار. ومفتي سابق.
لقد تنوعت حوادث العنف في بلادنا وتعددت أغراضها ما بين سياسي ورياضي ووطني وديني.. وهذا يؤشر إلي أن التطرف نال منا وأن التسامح رحل عنا. وأن قدرتنا علي العيش المشترك قد تآكلت أو أصابها الوهن والضعف.
لذلك لا ينبغي أن نلوم ونصب اللعنات علي من يمارسون التطرف الديني وحدهم لأننا ؟؟؟ للأسف الشديد ونحارب التطرف بدورنا وإن كنا نتفاخر برفض التطرف الديني.
نحن متطرفون ولكن بأشكال مختلفة.. متطرفون في الفكر والرأي وحدنا أيضا مؤخرا متطرفون في السلوك. أي صرنا جاهزين لممارسة العنف في مواجهة بعضنا البعض.. ولن نقدر علي مقاومة التطرف الديني إلا إذا طهرنا أنفسنا من كل ألوان وأصناف التطرف الأخري.. تطهروا من التطرف يرحمكم الله.