التحرير
شعبان يوسف
كل سنة وإنت طيب وبخير ومبدع يا خال
نحن اليوم سنذهب لنحتفل بالأبنودى العظيم فى منزله، حيث كان ميلاده فى 11 أبريل 1938، مجموعة من الأحبة له ولمسيرته ولشعره ولمغامرته ولجنونه ولنزقه أحيانا.

عبد الرحمن الأبنودى ليس شاعرا عظيما فحسب، وليس جامعا للسيرة الهلالية فى تعدد رواياتها فقط، وليس كاتبا للمقال النثرى كما لم ولا يكتبه أديب متمرس على لعبة الصحافة، وليس شاعرا للأغنية رقصت الدنيا كلها على كلماته فى الحب والحرب والمقاومة والاحتجاج والرفقة والأخوة وخلافه، ولكن الأبنودى ظاهرة إنسانية استثنائية امتدت عقودا من الزمان، فى ظل أشكال من التردى والتقلبات التى جرّت له وعليه وجوها شتى من البهجة والكروب والمديح والسباب فى آن واحد.

سنحتفل بالأبنودى العظيم مع أصدقائه إبراهيم داوود وأحمد بهاء الدين شعبان وعزة كامل وأشرف عبد الشافى وزوجته الرقيقة الإعلامية نهال كمال، التى يظل يداعبها ويشاغبها فى وصلة حب وغزل، وهى ترد هذا الشغب فى مودات متتالية. سنحتفل به مع كثيرين من العارفين بقدره وشموخه وامتداد قامته على مدى زمن بعيد.. سنحتفل به، هو الذى احتفل بنا وبأفراحنا وبأحزاننا وبتراثنا وبكل ما يخصنا فى الأفراح والأتراح كما يقولون، وأنا لا أستطيع أن أمنع نفسى من الاحتفال به، على كثرة ما أكتب عنه وله، فهو الذى يحتاج إلى مؤتمرات لتفسير هذه الظاهرة المتعددة الوجوه، ووزارة الثقافة المصرية التى تنفق أموالها فى أشكال شتى من الأنشطة، ليست مدركة قيمة الأبنودى، أو أنها مدركة -ممثلة فى وزرائها المتعاقبين- ولكنها تعطى أذنا من طين وأذنا من طين أيضا، وهناك مؤسسات تبحث أحيانا أنشطة عجيبة لتشغل نفسها بها، وأمامها هذه المهمة الجاّدة، التى تحتاج إلى أيام وأيام وباحثين متعددى الاتجاهات والمناحى، ليس للتعريف بظاهرة الأبنودى، ولكن لدراستها كما يليق بها، ولكن الله كتب على هذه الوزارة الذلة والمسكنة، حتى تصير فى أسوأ حال.

عموما ليس مجال هذه السطور تقريع وزارة الثقافة، أو الحديث عن الأبنودى الشاعر والمثقف والباحث وكاتب الأغانى الوطنية والعاطفية والشعبية، ولكننى أريد أن أنوّه بأن المدخل الأول لقراءة كل هذه المناحى هو المدخل الإنسانى المحض، وأنا رأيته يحدو على أصدقائه فى المرض، وفى حالات العوَز، وعندما تحضر المنية، فيكون فى كل هذه الحالات هو أول الواقفين، والمادين أياديهم فى صمت، دون أى إعلان عن نفسه، فهو الذى يوفر الإمكانيات كافة بكل ما يملك من عطاء، وسلطة كذلك، فهو الذى يتحدث مع المسؤولين، وهم الذين يتحركون وفقًا لطلباته، وعندما لا تلبى الدولة ما يطلبه منها يفعل هو الواجب وزيادة، من ماله الخاص، أو بإقناع رجال الأعمال فى التعاون لإزاحة غمة ما ألمّت بأحد جرحانا الذين سقطوا تحت سنابك المرض.

وكان أول الواقفين فى رحيل أمل دنقل، وسيد خميس، ويحيى الطاهر عبد الله، وعلاقته بهؤلاء الثلاثة كانت علاقة أعمق من أن تُشرح وتُسرد فى بضعة سطور، وبمناسبة ذكرى رحيل يحيى الطاهر عبد الله فى 9 أبريل، أريد أن أنشر قصيدة الأبنودى الرقيقة، التى لم يدرجها فى أىٍّ من دواوينه، ولا أعرف لماذا، رغم أنها قصيدة تقطر إنسانية وعذوبة، وأنا أطالبه بضرورة إدراجها فى أول كتاب يصدره، فمن حق يحيى علينا وعلى الأبنودى ذاته أن تكون القصيدة المهداة إليه وعنه فى متناول القراء.

وإليكم القصيدة:

(عدّودة... تحت نعش يحيى الطاهر عبد الله...

يا يحيى.. يا عجبان.. يا فصيح

يا رقصة.. يا زغرودة

اتمكن الموت من الريح

وفرغت الحدوتة..

كنا شقايق على البُعد

وع القرب.. شأن الشقايق..

أنا كنت راسم على بعد

وخانتنى فيك الدقايق

حرّة كطير البرارى..

أسماء.. وعاش المسمى

دلوقت.. بتنام جوارى

فى فرشك يا ابن عمى

■ ■ ■

أبويا.. مات السنة دى..

وأمى... بتموت وتحيا..

ما مد لى الموت أيادى..

إلا فيك انت يا يحيى

■ ■ ■

أبكيك.. وللذكرى.. رعده..

كنت الونس فى الوسع ده

خايف.. مونس قبيلة..

■ ■ ■

عملت مع الغربا عيلة

وفتحت للحب طاقة

دى لعبة تانية رزيلة

والا امتحان الرفاقة؟

■ ■ ■

أديك مت.. ولا عدت تحيا

والدنيا.. «طفلة ومومس»

غريب مت كما مات «يحيى»

لا طال نجد ولا طال تونس

■ ■ ■

غربا.. وجينا النواحى

الكل للكل.. شاهد

ننام.. وانت اللى صاحى

انت اللى مجموع.. وواحد

■ ■ ■

الحمل فوق الكتاف.. مال

والدم.. نازل.. قنايه..

يا جمال ما يوم حزمه جمال

ولا قتله عشق الصبايا

■ ■ ■

يا جمل.. ما يوم قصر السعى..

يا... مغلب الجمّاله..

حسدونا فيك حتى ع النعى

واعتبروا حبك.... عماله

■ ■ ■

يا موت.... وتعبته تأجيل

يا موت.. دى موته ظلومه

ليلة انقطف.. «وردة الجيل»

شمتت كلاب الحكومة

■ ■ ■

يا قبر.. جالك ولد زين

ما ارتاح.. غير الساعة دى

يا ملحّد.. لحّده.. زين

يحيى... مالوش فى الرقاد

■ ■ ■

يحيى -عليه السلام-

كان يعرف الموت.. وقيمته

لا ف سكرة الموت اتعدل وقام

ولا قال كلمة... لبنيته

■ ■ ■

آخر حروف الابجدية

أول حروف اسم يحيى

للموت كمان عبقرية

تموت لو الاسم يحيى

■ ■ ■

يا يحيى.. يا عدلان.. يا مليح

يا يحيى.... ياخى اليتامى

مش حمل تشريح وتمليح

يا يحيى....... بالسلامه.

■ ■ ■

وبرغم باعنا القصير...

رغم الزمن مش بتاعنا

حتعيش معانا.. ونكبر

وحتضيع... لو إحنا ضعنا.

■ ■ ■

وحيعيش عذابك.. ياخيّه

قناديل.. وسكة.. وغاية

دى مش نهايتك يا يحيى

يمكن تكون البداية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف