واضح أن الحكومة تحضّر هذه الأيام للإجراءات الصعبة التى سبق وأنذرت المواطن بها. المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، لا يتوقف عن إجراء اللقاءات مع نواب الشعب والإعلاميين وغيرهم. وأغلب النواب الذين حضروا هذه اللقاءات أجمعوا فى تصريحات لهم على أن الأيام المقبلة حبلى بالعديد من المفاجآت غير السارة على مستوى رفع الأسعار. من الممكن أن ننظر إلى نشاط «إسماعيل» فى هذا السياق كعملية تمهيد، تسبق انطلاق القرارات من جعبة ما تطلق عليه الحكومة برنامج الإصلاح، وهى فى أقل تقدير جهود مطلوبة، لكننى أسأل هنا عن جدواها، وذلك من زاويتين: الزاوية الأولى هل اختار رئيس الحكومة الممثل الأفضل لنقل رسالة الغلاء إلى المواطنين؟، والثانية هل ثمة وسيلة لإقناع أحد بفكرة الغلاء من الأساس؟
اختار رئيس الحكومة عدداً من النواب، سبق أن التقى بهم عدد من الوزراء، على رأسهم وزير الدفاع، الفريق أول صدقى صبحى. والقاسم المشترك الأعظم فى كل هذه اللقاءات -كما أوضحت البيانات التى تمخضت عنها- هو شرح الظروف الدقيقة التى تمر بها البلاد، والأزمة الاقتصادية الحادة التى تعصف بنا، وهى مسألة لا تحتاج فى تقديرى إلى إيضاح. المهم فى هذه اللقاءات الرسالة المبطنة، وملخصها ساندوا الحكومة وحاولوا أن تقنعوا الناس بحتمية الإجراءات التى تتخذها، وانصحوهم بالتجلد وتحمل النتائج المترتبة على زيادة الأسعار، إلى أن ينصلح الحال. ظنى أن أغلب من يحضر هذه اللقاءات مقتنع برسالة الحكومة، ربما اختلف معها بعض الشىء فى وجهة النظر، لكنه يدرك فى النهاية أننا بالفعل نعيش أزمة حقيقية، لكن السؤال: هل اقتناع نائب للشعب، أو بعض الإعلاميين أمر ذو جدوى أو قيمة فى امتصاص ردود الأفعال الشعبية؟ الإجابة عن هذا السؤال تحددها درجة ثقة المواطن فى كل من المؤسستين النيابية والإعلامية، وتقدير حجم هذه الثقة متروك لك!.
السؤال الثانى: هل ثمة وسيلة لإقناع أحد بفكرة الغلاء؟ فى الأحوال العادية يصاب أى شخص بالانزعاج عندما يُصدم بارتفاع سعر سلعة أو خدمة معينة، وهو لا يستطيع أن يستوعب الغلاء، إلا بشروط محددة، أولها أن يكون ظاهرة مؤقتة، ترتبط بفترة وانتهينا، أما أن يكون الغلاء ممارسة يومية، فذلك ما لا يطيقه أحد. ثانيها أن تكون مياه الدخل تجرى أسفل منه، فالمواطن الذى يعمل ويكسب بإمكانه أن يحتمل الغلاء، ويختلف الأمر فى حالة وقف الحال، وتكاد تنطبق على هذه الحالة الإنسانية الحديث الذى كان يتعوذ فيه النبى، صلى الله عليه وسلم، من الكفر والفقر. ثالثها ألا يشعر بأنه الوحيد الذى يعانى من الغلاء وما يرتبط به من حرمان، يعنى «زيه زى أهل بلده»، أما عندما يشعر بأنه يكتوى بنار الغلاء الذى يعجزه عن الحياة فى وقت ينعم فيه غيره، فإنه يرفض ذلك أشد الرفض!. رابعها أن يكون هناك أمل فى حل وشيك، وهذا ما لا يعرفه المصريون، فكل من عاش فوق أرض هذا البلد منذ عقود لم يسمع كلاماً كهذا، بل يسمع عبارات «اربط الحزام»، «عنق الزجاجة»، وخلافه. لن يصلح حال هذا البلد إلا عندما يعلم أهله أن فقر الفكر أخطر بكثير من فقر الجيوب..!.