الأخبار
محمد فتحى
البروفة.. جيل 1980 وأنت طالع.. طالع !!
في المرة الأولي التي شاهدت فيها مسرحية 1980 وانت طالع، كان ذلك قبل نحو خمس سنوات، بدعوة من صديقي الصحفي المتميز أحمد الليثي أحد أعضاء الفرقة، وكان العرض في مسرح الجيزويت، الذي هو في الأساس (جراج) سيارات. كنت أتوقع أنني سأشاهد مجموعة من الهواة، فإذا بي أمام محترفين بمعني الكلمة، وكنت أنتظر تناولاً سطحياً، فوجدت من العمق ما يكفي لغرق الكثيرين، ثم فجأة، قذف الله في قلبي وقلب الكثيرين محبة غير طبيعية، بعد حالة من التماهي، مع المسرحية والفرقة التي هي أصلاً مجموعة من الأصدقاء يجمعهم حب التمثيل في الجامعة، فيقررون مواصلة عروضهم.
في السنوات التالية. بدأ عدد الحضور يزداد، وذهب الفريق إلي مسرح أكبر، وطوروا العديد من المشاهد لتواكب الأحداث المتلاحقة، وأصبح الحجز سيد الموقف، حيث الصالة ممتلئة عن آخرها، حتي لو كان في نفس يوم مباراة الأهلي والزمالك، ومع مرور الوقت، أصبحت تجربة 1980 وانت طالع تجربة جيل، قرر بعد كل هذا النجاح، وبعد العديد من المضايقات بالطبع، وبعد رحلة صعود لأحلام كثير من أفراد الفرقة عبر أدوار صغيرة في أعمال كبيرة، أن يقدموا الجديد، وكان الجديد هو (البروفة)..
علي خلاف (اللوحات) التي كانت تقدم في 1980 وانت طالع، جاءت البروفة لتقدم اللحظة التي سبقت التجربة، الشباب وهم في مرحلة بكارة الأحلام، والمطبات التي تنتقي طريقهم لتولد هي والعديد من العقبات، لكنهم، رغم ذلك، مستمرون في الحلم، وفي البحث عن ذاتهم..
في البروفة ستقابل نفسك في مرحلة ما من عمرك، وأنت تحب، وأنت تحلم، وأنت تسقط، وأنت تتشاجر مع رفاق العمر، وأنت في مرحلة الانكسار، وأنت في مرحلة احتضان الكلب لأنه الوحيد الذي يمكنه منحك هذا الأوبشن، وأنت في منتهي الحماس، أو في منتهي الإحباط، وأنت في أشد ظروف حياتك قسوة، ثم في أسعد أيام حياتك..
في البروفة يستخدم المخرج أسلوب ورشة الكتابة ليطلب من كل أبطاله مشاهد يمكن أن تصلح للتمثيل، لأن الكاتب لازال يكتب، ولايزال غير راض عما كتبه، فنري قصص الحب التي تولد، ونري تدريبات التمثيل التي تعكس واقعاً مخيفاً. يطلب المخرج من الفرقة تمثيل صورة صامتة وساكنة من قلب أتوبيس نقل عام، فنجد كل الأصناف في صورة بديعة، ثم يطلب منهم أن يجسدوا صورة للثورة فيسقط الجميع أرضاً موتاً أو تعباً، ثم يطلب منهم أن يعطوا له صورة عن المستقبل فتظلم القاعة فجأة ونري المستقبل مظلماً تماماً !!!
علي عكس هذا الإحباط، وقصص الممثلين الموهوبين المغمورين الذين تدفنهم الدنيا بالحياة وتوضع شواهد قبورهم علي كراسيهم التي حفظتهم في مقاهي وسط البلد، ستجد مواهب عظيمة في التمثيل والغناء، وستظل تضرب كفاً بكف وأنت تتابع (معلمين) تمثيل مترحماً علي خالد صالح ابن المسرح الذي اكتشفوه متأخراً، وراجياً أن يحترم المخرجين والنجوم تلك المواهب ويعطوهم فرصهم الحقيقية بدلاً من الأنصاص والأرباع، بل والأعشار، وأولاد النجوم المفروضين علينا بالعافية وبمنتهي الغلاسة.
تجري البنت وهي تتحدث عن نفسها مع حبيبها كما يجري العمر، وتعرفه علي نفسها كل مرة بطريقة مختلفة، حتي يفوتها قطار الزواج، وينظر لها الجميع بوصفها عانسا، وتصر بنوتة أخري علي انتظار حبيبها مهما طالت رحلته في البحث عن نفسه لأنها لم تحب غيره ولن تفعل، ويكفيها أنها تراه في البروفة، وقصص أخري عديدة أغلبها حقيقي يخص أفراد الفرقة أنفسهم، لكنك ستكتشف أنك عضو في الفرقة، أو أن أحد أعضاء الفرقة هو أنت !!
تستحق فرقة 1980 وانت طالع أن تكون المتحدث الرسمي باسم جيل يتحدث الكل باسمه دون أن يعرفوه، ولو دخلت مسرح الهوسابير، فحاول ألا تكتئب وأنت تري (الشباب) وتشعر معهم بـ(المشيب)، بل فكر، كما يجب أن يفكر أي مسئول في هذا البلد، كيف أصبحنا لا نعرف شبابنا، لدرجة أن أجيالاً جديدة نفقدها كل يوم لأنها لم تجد من يسمعها أو يفهمها أو يشاهد فنها وإبداعها..
في البروفة ضحكت حتي البكاء، وبكيت بعد أن انتهي مخزون الضحك عندي، ثم انتهت المسرحية علي (أمل)، رغم كل ما كان فيها من (وجع) صاغه الكاتب محمود جمال الذي يشاركهم التمثيل أحياناً، وأخرجه ببراعة مخرج متميز هو محمد جبر، وقام بتجسيده (معلمين) التمثيل الحلو لهذا الجيل..
احفظوا أسماء وليد عبد الغني وحاتم صلاح ومروة الصباحي وعاصم رمضان ومحمد العتابي وخلود عبد العزيز ومحمد عبد العزيز ومي صلاح وسالي سعيد ومحمد خليفة وإيهاب صالح ومصطفي محمد، فهم يستحقون أن نشاهد فنهم، وأن نعرف أن جيل 1980 وانت طالع.. طالع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف