محمد حماد
الحروب بريئة من دم الاقتصاد المصري
كانت حجة الرئيس السادات أقرب ألى التصديق حين يقول لنا إن الحروب اللي خاضتها مصر من أول 56 إلى 73 كان لها تأثير ضار بالاقتصاد المصري، فهو الرئيس الذي خلف الرئيس جمال عبد الناصر مباشرة، وكان هو أول من أعلن أن حرب السادس من أكتوبر سنة 1973 هي آخر الحروب بيننا وبين إسرائيل، وكان السادات يضيف إلى هذه الحجة حجة أخرى وهي ما كان يسميه “اشتراكية الفقر” التي أودت بنا إلى ستين داهية كما كان يحب أن يقول.
طيب إيه الحل يا عمنا.
الحل يبدأ بأن ندخل في عملية سلام مع إسرائيل ، ونبدأ عملية الانفتاح الاقتصادي .. والنتيجة مضمونة رخاء قادم، سيوفر لكل مصري بيت مناسب وعمل محترم، وسيارة إن أمكن.
طبعاً وجد السادات من يعارض توجهاته الجديدة، عارضوا وحذروا من مغبة هذا التحول الكبير الذي أحدثه السادات في السياسة الخارجية وفي السياسة الاقتصادية..
ومضت الغالبية وراء الأمل في هذا الرخاء الذي بُشروا به..
قالوا: خلونا نجرب..
وحين تولى الرئيس مبارك الحكم خلفاً للسادات قال لنا أنه استلم البلد تحت الصفر، وكان أول ما قام به في أعقاب اغتيال السادات أن دعا إلى عقد مؤتمر اقتصادي كبير لدراسة الكيفية التي يخرج بها الاقتصاد المصري من تأثيرات الحروب والسياسة الاقتصادية الخاطئة التي زادت الفقراء فقراً وخلقت ظاهرة المليونيرات والقطط السمان..
واستبشر الناس خيراُ..
وقالوا: ماشي تعالى نجرب..
مكث مبارك ثلاثين سنة ولا حديث له غير الانجازات الكبيرة، والمشروعات العملاقة في البنية الأساسية والكباري والطرق، وافتتح مشروعات سماها قومية مثل: مشروع توشكى، وحلف وزير ماليته مرة بالطلاق أن الاقتصاد المصري على خير ما يرام، ودأبت حكوماته المتعاقبة على الحديث عن نسبة نمو تحققت تفوق كل ما حققته مصر من قبل في أي مرحلة من تاريخها..
ثم قامت ثورة يناير لتطالب بخلعه ورفعت شعارها في “العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية” وكلها حقوق افتقدتها الجماهير بشدة في عهد مبارك الطويل.
وما جرى بعد قيام الثورة معروف، وملخصه أن نظام مبارك وقف بضراوة ضد تحقيق أي من أهداف الثورة ، ودخلت البلاد في مرحلة انتقالية تلو الأخرى بدون أن تُقدِم أي حكومة على تعديل المسار الاقتصادي بما يحقق العدل الاجتماعي، وهو المطلب الجماهيري الأهم للملايين التي خرجت تطالب برحيل نظام مبارك، وانتهى الأمر إلى تفاقم جديد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد مع نقص غير مسبوق في الاحتياطي من النقد الأجنبي، وتوقف الكثير من الأنشطة الخدمية على رأسها السياحة وتقلصت عائدات المصريين العاملين بالخارج..
عشر سنوات هي عهد السادات بدأها والوضع الاقتصادي أفضل مما انتهى إليه الحال في نهاية عهده، ولم يأت الرخاء الاقتصادي الذي وعدنا به..
ثلاثين سنة أخرى هي عهد مبارك بدأها مبشراً بحل الأزمات، وانتهى عهده وقد أحاطت بمصر كل الأزمات..
جربنا خلال 45 سنة من انتهاء الحروب، والإنهاء المتعمد لسياسة الانحياز الى الطبقات الفقيرة والتعويل على “روشتة” صندوق النقد الدولي ولم يحدث أي اصلاح ..
جربنا خلال 45 سنة بعد انتهاء الحروب كل الطرق التي نصحنا بها البنك الدولي وصندوق النقد، وخصصنا القطاع العام، في أكبر عملية نهب لثروات الشعب المصري عبر تاريخه الطويل، وأعطينا رأس المال الأجنبي والمحلي كل المميزات، ومنحناهم فوق ما طلبوه، ولم تحدث أي انفراجه في أزمة الاقتصادـ وبقيت أحوال الناس تتردى كل يوم..
جربنا وجرب غيرنا المضي على وصفة صندوق النقد الدولي، وكانت النتيجة خراب وثوارت وانتفاضات شعبية وقلق وعدم استقرار في البلدان التي مضت على نفس الطريق ، وتجربتنا نفسها شاهدة..
ثم تأتي اليوم لنبدأ من جديد المشي على نفس الخطوات التي مشيناها ولم تسفر عن شيء، ولنقول إن الحروب التي توقفت منذ أكثر من أربعين سنة هي السبب..
دول ضربت بالقنبلة النووية واستفاقت من وجيعتها وأقامت نهضتها واستطاعت أن تسابق الأمم في أقل من ثلاثة عقود، ألمانيا التي احتلت وقسمت في الحرب العالمية الثانية أقامت أكبر اقتصاد في أوروبا خلال أربعة عقود وأقل.
القول بأن الحروب التي توقفت منذ أربعة عقود هي السبب فيما يعانيه اقتصادنا يدل على طريقة تفكير تؤكد أن لدينا مشكلة..
المشكلة الأكبر أن البلد لم تعد تملك ترف المزيد من سياسة التجريب،
وقديما قالوا: اللي يجرب ف المتجرب عقله مخرب..