البديل
مايكل عادل
نُريد أن نتنفَّس
القاعدة الأولى في المواجهة دائماً ما تكون أن تترك لخصمك مهرباً واحداً حينما يضعف موقفه في المواجهة كي لا يصبح ظهره للحائط ويضطر بشكل حتمي إلى المواجهة، وهنا يصبح انتهاء المعركة بشكل تلقائي بأقل خسائر أمر مستحيل ولا يجد الخصم ملاذاً سوى الصراع حتى آخر نفس.

تلك الحقيقة أدركتها الإنسانية وهضمتها دراسة وتطبيق حتى أصبح الأمر تلقائياً في كافة المواجهات السياسية على كافة الساحات في العالم حينما يقرر أحدهم الانفراد بسلطة ما وتحييد معارضيه فإنه يترك لهم ملاذاً في أمر ما لا يندرج في قائمة اهتماماته التي يريد الاستئثار بها. كما يميل الحكّام ذوي الأجندات المحددة والذين لا يريدون لأحد أن يعرقل مسار تحقيق تلك الأجندات أن يتركوا متنفساً واحداً على الأقل للمتضررين من سياساتهم سواء من القاعدة الشعبية أو من المسيّسين بحيث تصبح المواجهة مجرد خيار وليست ضرورة حتمية مؤجلة.

كما أصبح أمراً تلقائياً حينما نبدأ في دراسة شأن سياسي ما أن نتتبع سياسة الجبهة الحاكمة من خلال الأجندة السياسية إجراءات تحقيقها والمسارات المتاحة لمعارضي تلك الأجندة وإجراءاتها كي يلوذوا بها حين يحتدم الصراع، فهناك دول تطلق حرية التعبير عن الرأي والتوجّه كمتنفس للمعارضة كمواجهة لفظية ومقاومة الرأي الآخر للفكر المهيمن بدلاً من الصراع المباشر واللجوء إلى الآلية الثورية. كما يوجد من أرادوا تفريغ الساحة السياسية تماماً من خلال إطلاق الحريات المجتمعية والمساحات الشخصية وحرية الإبداع والارتقاء بالشأن الاقتصادي ومستوى معيشة الفرد في مقابل إخفاء مفهوم المعارضة من القاموس السياسي للدولة وكذلك تقييد حرية التعبير حينما يمس الأمر سياسات الدولة المتّبعة، وهنا يجد المعارض ملاذاً حياتياً وبعض الامتيازات التي قد تصب في مصلحة الحاكم في النهاية من خلال إحالة المواجهة إلى إطار الاحتمال بدلاً من الحتمية.

كما توجد بعض النماذج التي اختارت أن تمرر نظماً اقتصادية تضع المجتمع والدولة في قبضة الشركات والثروة بعيدة عن قبضة الشعب الذي يصبح في هذا النموذج مجرد خادم لنظام الشركات المتحكّمة حتى في سياسات الدولة العليا، وذلك من خلال إطلاق الحريات العامة حتى في التعبير عن السخط على تلك المنظومة من خلال مجتمع مدني إصلاحي وإعلام حر قد يجد فيه أغلب المعترضين ملاذهم الأسهل والأكثر وجاهة من المواجهة المباشرة مع كيانات رأسمالية ضخمة تمتلك آلة البناء والهدم والأمر والنهي.

لعل من الواضح أن تلك النماذج السابقة لم تعبر بذهن القائمين على إدارة الشأن المصري سياسياً واقتصادياً وإعلامياً إلى آخر الشؤون التي لا هَم لها الآن إلا طحن المواطن دون اكتفاء بتطويعه تحت شعار حتى وإن كان زائفاً.

تجلّى الأمر بشكل أكثر وضوحاً منذ أنبتت لنا الأرض حكومة شريف إسماعيل بوزرائها الذين لا عمل لهم سوى تحقيق آمال وأحلام القيادة السياسية بطريقة الفانوس السحري دون وعي أو دراسة لمدى تناسب تلك الإرادة مع مفردات الواقع أو انفصالها عن إرادة الشعب وظروفه، منفصلة تماماً عن الهدف الحقيقي من وجود الحكومة والرئاسة لخدمة الشعب وتحقيق آماله وتخفيف معاناته. فتعاملت الحكومة مع الرئاسة بمنطق الخادم المطيع الذي لا يناقش ولا يجادل حتى وإن تعارضت الرغبة العليا مع قدرة الشعب على التحمل وكذلك مع الأدوات المنطقية ومعطيات الوضع القائم. فالدولة الآن لا تترك أي متنفس للمواطن العادي لتحقيق طرق بديلة للطرق التي أغلقتها السياسات الحالية سواء لكسب الرزق أو للتعبير عن الرأي أو حتى للسير آمناً. كما لو توفّر للسياسيين والمجتمع المدني بيئة تستقطب ذوي الرؤية والرأي للوجود على أي ساحة يمكن الإعلان عن النفس من خلالها. فلا اقتصاد ولا سياحة ولا حرية إبداع ولا حرية رأي وتعبير ولا شعور بالأمان ولا مجال سياسي يسمح بالمعارضة ولا حرية تداول معلومات، كل المجالات تُغلق في الوقت الذي يجد فيه المواطن نفسه متهماً بعدم الوقوف إلى جانب الوطن وكأن علينا نبدأ في تمزيق أجسادنا لننثر أشلائها في الشوارع إثباتاً لحُسن النية!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف