مؤمن الهباء
شهادة - الوزير .. الشجاع !!
لا أدري كيف تأتي بعض وزرائنا الشجاعة لكي يطلقوا تصريحات ووعوداً فجة.. هم أول من يعرف أنها غير واقعية ولن تتحقق.. وهم أول من يعرف أن الناس تعرف الحقيقة ولا تصدق تصريحاتهم ووعودهم.. وهم أول من يعرف أنه كلما زادت التصريحات والوعود غير الواقعية تآكلت مصداقيتهم أمام الرأي العام وتآكلت مصداقية حكومتهم بأكملها.
خلال اليومين الماضيين احتفلت وزارة الصحة بمرور 79 عاماً علي انشائها.. كما احتفلت في الوقت ذاته بيوم الصحة العالمي.. ورغم أن الاحتفال مر صامتاً في مركز التدريب التابع للوزارة إلا أن الوزير لم يصمت.. وإنما واتته الشجاعة ــ لا أدري كيف ــ ليطلق لخياله العنان معلناً أن "الوزارة ماضية في طريقها لتغطية صحية شاملة وفق معايير الجودة العالمية لجميع المصريين وفق خطة واضحة وبرنامج زمني ينتهي بحلول عام 2030".
لم ينتبه الوزير الشجاع إلي أن المسألة واسعة جداً.. وأن وعده الفج ضغط علي الزر الحساس في جهاز الشعور المصري العام الذي يشبه بالضبط جهاز كشف الكذب في المخابرات.. وقد انفجر هذا الجهاز ضاحكاً عندما سمع عن "تغطية صحية شاملة وفق معايير الجودة العالمية لجميع المصريين".. يا له من حلم جميل.. حلم طموح طالما تطلعنا إليه.. لكنه مازال بعيد المنال ولا نري له ظلاً علي الأرض.. ولم نر خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح لتحقيقه.
كل ما نعرفه وندركه ونلمسه ونراه بأعيننا أن المواطن المصري لا يزال يعاني الأمرين إذا تعرض للمرض.. لأنه سيجد نفسه إما في قبضة المستشفيات الخاصة التي تستنزف أمواله بلا رحمة إن كانت لديه أموال.. أو في قبضة الإهمال بالمستشفيات الحكومية التي تحولت إلي سلخانات.. وذلك علي الرغم من تعاقب العديد من الوزراء "الشجعان" الذين تحدثوا كثيراً عن تطوير المنظومة الصحية وأطلقوا الكثير من التصريحات والوعود الفجة.
والمصريون علي مدي عشرات السنين يقرأون مثل هذه التصريحات ويضحكون أو يبكون.. فقد استوي لديهم الضحك والبكاء.. صار ضحكهم كالبكاء وبكاؤهم كالضحك وهم يرون الوعود دائماً مؤجلة إلي الزمن الآتي.. ومحالة إلي المستقبل البعيد "2030".. حيث لن يكون الوزير موجوداً في منصبه الحكومي بكل تأكيد.. ولن يخطر ببال أحد أن يستدعيه ليسأله عن وعوده.. وفي الحقيقة نحن والوزير ندرك جيداً أن التصريحات غير جادة.. وأن الكلام ليس عليه جمرك.
يضاف إلي ذلك أن الزميلة الصحفية التي نقلت إلينا تصريحات الوزير ووعوده عبر جريدة "الأخبار" قد أصابها نفس الشعور بالاستفزاز الذي أصابنا.. فسألت مساعدي الوزير والمحيطين به عن تفاصيل خطة "التغطية الصحية الشاملة لجميع المصريين وفق معايير الجودة العالمية" فلم تجد عندهم اجابة.. وسجلت هذه الملحوظة حتي يكتمل الخبر وتتأكد شجاعة الوزير.. قالت: "امتنع رؤساء قطاعات الطب العلاجي والطب الوقائي وعميد معهد الكبد عن الإدلاء بأي تصريحات صحفية لتوضيح آلية الخطة التي وضعتها الوزارة للارتقاء بصحة المواطن أو توضيح حقيقة الوعود التي أطلقها الوزير للارتقاء بالصحة عام 2030".
نحن لا نريد أن نشق علي السيد الوزير.. ولا نريد له أن يضحك علينا بوعود بعيدة المنال.. فأحلامنا بسيطة وغير مرهقة.. ويكفينا جداً أن يعلن السيد الوزير أنه بدأ الخطوة الأولي نحو إقامة نظام تأمين صحي شامل وفعال ينقذ المواطن المصري البسيط حين يتعرض للمرض.. لا نطلب تغطية صحية شاملة بمعايير دولية لأننا نعرف أن ذلك لن يحدث وأنه لن يقدر علي تنفيذه.. ولو قال انه سيوفر الشاش والقطن في المستشفيات الحكومية لصدقناه.. نريد أن يطلق وعوداً نستطيع أن نحاسبه عليها قبل أن يغادر منصبه.
يجب علي كل وزير أن يعد بما يستطيع.. وأن يتحدث علي قدر ما يمكن أن يقدم.. ولا يحيلنا إلي المستقبل البعيد.. يا من يعيش!!