د. محمود خليل
لا تستطيع أن تفكر وأنت «تشكو»!
مجموعة من العبارات اللافتة قالها المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء خلال لقائه مع عدد من رؤساء تحرير الصحف المصرية يوم الخميس الماضى.. تعالوا نتأمل بعضها: «قرض صندوق النقد الدولى بلا شروط.. الشائعات سبب أزمة الدولار.. أزمة السياحة وتراجع تحويلات المصريين بالخارج جزء من المؤامرة التى تستهدف مصر»، تقديرى أن «إسماعيل» أراد من خلال هذه الكلمات أن يطمئن الرأى العام المصرى المتوتر هذه الأيام بسبب الأزمة الاقتصادية التى نعيشها، وهو هدف نبيل طيب، لكن الطريقة التى اعتمد عليها فى الطمأنة لا تعتمد على المواجهة الصريحة للمشكلات، قدر ما تستند إلى المراوغة والشكوى.
قرض الصندوق بلا شروط.. فى تقديرى أن هذه العبارة لم يكن من الواجب أن تقال.. فليس من المعقول ألا يمنحنا الصندوق قرضاً يصل إلى 12 مليار دولار دون أن يقطع علينا شروطاً تضمن حقه فى الحصول على ما دفعه مضافاً إليه الفوائد، وقد أعلن رئيس بعثة الصندوق نفسه أن هناك مراجعات ستتم كل فترة زمنية -على امتداد سنوات القرض الثلاث- للوقوف على مدى التزام مصر بخطوات البرنامج الإصلاحى الذى أقرته البعثة ووافقت على القرض بناء عليه، هذا الكلام لا يمنح الناس اطمئناناً، بل يصيبهم بحالة من القلق، ويدفعهم إلى الإحساس بأن الحكومة تخفى عنهم شروطاً مزعجة توافقت عليها مع الصندوق، الصراحة فى مثل هذه الأمور راحة، والأفضل أن يخرج رئيس الوزراء ويوضح للمصريين ما خفى عنهم، ويطلب من القادرين على تحمل المعاناة منهم تفهم الموقف، ويحكى بشكل واضح الإجراءات التى سوف تتخذها الحكومة لتحقيق ما تسميه «الحماية الاجتماعية» للطبقات الفقيرة منهم.
الشائعات سبب أزمة الدولار.. كلام صحيح، سوق الدولار يتأثر أشد التأثر بالشائعات. وليس هناك خلاف على أن بعض المواطنين يسهمون بطريقة أو بأخرى فى مفاقمة هذه الأزمة، لكن الموضوعية كانت تقتضى أن يحدثنا رئيس الوزراء عن واقع الدولار أيضاً، وقدرة الحكومة على توفيره، من خلال روافد اقتصادية حقيقية، بعيداً عن حديث القروض، الواقع قادر على هزيمة أى شائعة، من الخطأ أن تكتفى بتصدير المشكلة وفقط إلى الرأى العام، لا بد إلى جوار ذلك أن تقدم له رؤيتك للحل، كنت أتوقع من المهندس شريف إسماعيل أن يعرض خطة الحكومة للتغلب على أزمة توافر الدولار خلال الفترة المقبلة، وماذا ستفعل من أجل تنشيط الاستثمار، وحل مشكلات المستثمرين، أعلم أن ثمة عقبات عديدة تعيق تدفق الاستثمارات إلى مصر، لكن على الحكومة أن تعترف أن أداءها يقع ضمن منظومة الأسباب المعطلة للاستثمار.
أزمة السياحة وتراجع تحويلات المصريين بالخارج جزء من المؤامرة التى تستهدف مصر.. كلام صحيح، أتفق معه تماماً، بالفعل هناك من يتآمر على مصر، ولكن ليس من المنطقى أن تكتفى بالشكوى من المرض ولا تسعى إلى مواجهته وعلاجه، كان من المهم أن يشرح لنا «إسماعيل» الإجراءات العاجلة التى ستتخذها الحكومة لإقناع العاملين للخارج بعدم تسريب تحويلاتهم بعيداً عن البنوك المصرية، بالإضافة إلى إنعاش السياسة.. ليس من المعقول أن تؤدى الحكومة مثلما يؤدى المواطن، فتشكو أكثر مما تفكر.. لا تستطيع أن تفكر وأنت تشكو!