المصرى اليوم
أسامة غريب
أبطال ومجرمون
الأمر يتوقف على الأرضية التى تقف عليها وأنت تنظر. ويتوقف على النافذة التى تطل منها والزاوية التى تتخذها للرؤية.
فوجئت عندما زرت أوزبكستان بأن تيمور لنك، الغازى المغولى الرهيب، له مكانة مهيبة فى قلوب الناس هناك، وأنهم ينظرون إليه باعتباره بطلهم العظيم. وطبعاً على النقيض فإن ذكر اسمه فى بلادنا يقترن بكل الصفات الدموية الرهيبة، حيث تحمل لنا كتب التاريخ الفظائع التى ارتكبها عامى 1399 و1400 عندما غزا حلب فأحرقها بالكامل ثم اقتحم دمشق وألحق بها الدمار وبعدها احتل بغداد وقتل مئات الآلاف من سكانها فى يوم واحد.

ولا يختلف الأمر كذلك حينما ننظر إلى فرناندو الثالث، ملك قشتالة، الذى حارب المسلمين فى الأندلس بين عامى 1230 و1260 وألحق بهم هزائم فادحة ونجح فى ثلاثين عاماً فقط فى الاستيلاء على ثمانين بالمائة من الممالك والمدن التى شكلت إسبانيا المسلمة مثل قرطبة وجيان وإشبيلية وألمرية ومرسية، وقد حسم الصراع الذى أدى فى النهاية إلى زوال الدولة العربية فى الأندلس بسقوط غرناطة فى آخر الطابور الذى تهاوى مملكة تلو الأخرى.

ولا شك فى أننا عندما نقرأ التاريخ الذى تركه لنا الشاعر والمؤرخ ابن الأبّار عن تلك الفترة لا بد أن نشعر بالحنق والغضب والكراهية للملك الإسبانى الذى اقتحم الأسوار وأحرق الزرع وروّع الآمنين وقتل الأسرى من المسلمين، كما نشعر بالأسى لأهلنا الذين واجهوا هذا الوحش الذى ولغ فى دمائهم وألحق بهم الخراب. ولكن الإسبان عندما ينظرون لنفس الرجل فإن كل آيات الحب والفخر والمهابة تتجلى بوضوح حتى لقد أنزلوه منزلة القديسين وجعلوا سيرته تروى على الربابة وفى الأدب الشعبى واعتبروه أشبه بالمَلاك الذى أرسله الرب لنصرتهم فأطلقوا عليه لقب القديس فيرناندو وملأوا بتماثيله المدن التى غزاها بعد أن توجوه بطلاً للأمة الإسبانية.

ولا يبتعد عن هذا أن نضرب مثالاً بالضبع الضارى آرييل شارون بطل مجزرة صبرا وشاتيلا فى لبنان عام 1982، أو إيهود باراك الذى تنكر فى زى امرأة وقام بقتل قادة المقاومة الفلسطينية فى بيروت عام 1973، أو مجرم الحرب ديفيد إليعازر الذى قام بدفن الأسرى المصريين أحياء عام 1967 أو شيمون بيريز قاتل الأطفال فى قانا عام 1996 أو مناحم بيجين بطل مجزرة دير ياسين عام 1948.. كل هؤلاء الوحوش الذين بقروا بطون الحوامل وذبحوا الأطفال وروعوا المدنيين يعتبرهم الشعب الإسرائيلى أبطاله التاريخيين، بالإضافة إلى بن جوريون ومائير وديان ورابين.. وهم جميعاً على نفس الشاكلة من التوحش والتعطش للدماء.

وأتصور أن الأمر ذاته لا بد أن يكون موجوداً عند نظرة المعسكر الآخر لأبطال التاريخ العربى الذين نحمل لهم كل إعزاز وتقدير مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعقبة بن نافع وموسى بن نصير وطارق بن زياد وسعد الدين الشاذلى.

الأمر إذن يتوقف على صالحك الشخصى وعلى المعسكر الذى تقف فيه لتحكم على الشخص من منظورك الخاص إن كان بطلاً أو مجرماً!.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف